فصل اعتقال منع دخول الامتحان، فض اعتصام بالقوة...إلخ. كلها أصبحت أمور لصيقة بتعامل الإدارة الجامعية مع الطلبة المحتجين على الحرب فى غزة، وعمليات الإبادة الجماعية التى يقوم بها الكيان الصهيونى ضد أصحاب الأرض. واحد من أبرز الردود المنسية على تلك الاحتجاجات من جانب عديد البلدان العربية التى تتعرض بشكل دائم لحملات نقد من قبل الإدارة الأمريكية والكونجرس، بسبب ملف حقوق الإنسان فى تلك الدول، هو أن تقوم تلك البلدان بحملة مضادة على الولايات المتحدة، حتى يعلم القاصى والدانى أن حقوق الإنسان الذى يتغنى بها صانع القرار الأمريكى ما هى إلا مجرد سبوبة تبتز بها الإدارة الأمريكية النظم السياسية فى العديد من بلدان العالم الثالث.
رد الفعل على احتجاجات الطلبة التى انتقلت كالنار فى الهشيم من العديد من الجامعات الأمريكية إلى الجامعات فى باريس وسيدنى وطوكيو وبرلين ولندن عبرت هى الأخرى من خلال مواجهاتها عن كم الحقد الدفين لبلدان العالم الثالث التى تتعرض لابتزاز متواصل يحرمها أحيانا من تلقى المساعدات الدولية وتلقى القروض وغيرها من الأمور، ما يجعل تلك الأمور جميعها عبارة عن مجموعة مصالح لا علاقة لها بمبادئ أو أيديولوجيات.
بالطبع كافة تلك الأمور لا تعنى البتة أن حقوق الإنسان فى عديد بلدان العالم الثالث تتسم بالريادة، لأنها بالطبع عليها العديد والعديد من المآخذ التى تمكن تلك البلدان فى الغرب من هذه الدول. فما هو المراد التأكيد عليه هنا هو فقط أن المسألة عبارة عن ابتزاز، وأن الأمر يحتاج إلى تعديل فى منظومة حقوق الإنسان فى تلك البلدان عبر رغبة صناع القرار بها، وليس عبر ابتزاز الآخرين الذين يتضح فى كل مناسبة أن رفع شعار حقوق الإنسان ما هو إلا أمر سياسى لا علاقة بأى مواقف مبدئية.
ما يحدث فى الولايات المتحدة والغرب اليوم، من حيث قهر حرية التعبير والتظاهر، هو أمر غاية فى الغرابة، لأنه ببساطة ينتهك حرية الرأى، وينتهك الدساتير التى سطرت حقوقا للناس وواجبات السلطات العامة فى حمايتها من أجل الشفافية ودعما لحرية الرأى والحق فى التظاهر السلمى والاعتصام وغيرها من الحقوق التى أكد عليها أيضا ميثاق الأمم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان ممثلة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية.
بالطبع تتلكأ الإدارات الجامعية ومجلس أوصياء الجامعات الخاصة الأمريكية وكذلك بعض القوى المتنفذة داخل الإدارة الأمريكية والكثيرين من الحزبين الجمهورى والديمقراطى داخل الكونجرس، بأن تلك الحركة الطلابية إنما هى حركة معادية للسامية، متغافلة فى هذا الصدد أنها حركة معادية للحرب وللإبادة الجامعية، بل متجاهلة أن العرب أنفسهم ساميون، وأن الحراك الطلابى يضم أعراقا وثقافات مختلفة وليس طلبة عرب فقط، فهو يضم طلبة من اللاتين والسود والإنجلو سكسون ويضم الكثير من اليهود وغير المسلمين.
إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن عن تجاهله للحراك الطلابى، هو أمر بالتأكيد يخالف مبادئ الدستور الأمريكى ويخالف مبادئ حرية الرأى والتعبير، وكذلك يخالف مبدأ استقلال الجامعات، وكلها أمور لطالما ملأت الإدارة الأمريكية بها على مدار عقود وعقود الدنيا ضجيجا. اليوم وطالما أن الأمر يمس إسرائيل، الذراع والمندوب الاستعمارى فى المنطقة، فلا غضاضة من إخراج عديد الحجج لمواجهة ذالك الحراك ووصفه بأشكال لا علاقة له بها.
من المهم اليوم فضح تلك المواجهة بين الطلاب وحكوماتهم، من المهم إظهار أن المصالح لا المبادئ هى الحاكمة فى هذا الشأن الذى لا يجب بالتأكيد أن ينسينا أهمية التمسك بمنظومة حقوق الإنسان، ليس فقط كمبادئ، وهذا يكفى، بل وأيضا حتى لا تتخذها الدول الأخرى ذريعة للتدخل فى الشأن الداخلى.