تلاطمت سفينة الثانوية العامة منذ عام 2008 بين أمواج عاتية من الرؤى بغية إرسائها على مرفأ يتيح لها أن تكون وافية وصالحة للقبول فى الدراسة الجامعية ولإمكانية الدخول إلى سوق العمل، وقد اضطربت السفينة منذ ذلك التاريخ فى مجموعة من الإشكاليات بين امتحان نهائى فى السنتين الثانية والثالثة أم بالاقتصار على امتحان واحد فى السنة الثالثة، هذا فضلا عما ساد مياه محطيها إذ ذاك من قضية وضع اختبارات للقدرات النوعية المؤهلة للتخصصات الجامعية لميادين كل من العلوم الطبية والهندسية والتجارية والعلوم الانسانية والفنون، إلى غير ذلك من موضوع المناهج بين المواد الدراسية العامة والتخصصية، وفى الأشهر الأخيرة استقر الرأى على أن يقتصر امتحان الثانوية العامة على السنة الثالثة بدلا من كونه فى السنتين الثانية والثالثة، بيد أن الخلاف احتد حول تطبيق هذا العام للنظام الجديد فى السنة المقبلة 2012 ـ 2103 أو بعد سنتين أى فى عام 2013 ـ 2014 وأخيرا وبعد خلافات ساخنة بين الوزارة والتربويين من ناحية ولجنة التعليم بمجلس الشعب، أقر مجلس الشعب بداية النظام المقترح من السنة المقبلة، وتطبيقه على الطلاب الناجحين فى الصف الأول هذا العام 2011 ـ 2012 ومن ثم استقرت سفينة الثانوية العامة على مرفأ القانون رقم 20 لسنة 2012 بعد إقراره من مجلس الشعب واعتماده من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وينص على أن يجرى الامتحان للحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية على مرحلة واحدة فى نهاية السنة الثالثة ولكل طالب رسب بالدور الأول فى مادة أو مادتين على الأكثر أن يتقدم لإعادة الامتحان فيما رسب فيه بالدور الأول بحيث لا يحصل فيما رسب فيه على أكثر من 50٪ من النهاية الكبرى للمادة فى الدور الثانى كذلك يجوز للطالب الراسب إعادة التقدم لمرة واحدة فقط يتم بعدها التقدم للامتحان من الخارج برسم قدره مائتا جنيه ولمدة عامين فقط.
ويتم العمل بهذا القانون اعتبارا من العام الدراسى 2012 ـ 2013 أى من بدء هذا العام ونص القانون على أن يترك لوزير التربية والتعليم بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى تحديد كل القضايا المرتبطة بالمناهج لكل من القسمين العلمى والأدبى والمواد الإجبارية والمواد الاختيارية والنهايات الكبرى والصغرى لدرجات المواد إلى جانب مجموعتى المواد العامة والأنشطة التربوية الرياضية والفنية والعملية، وتحديد مواد النجاح والرسوب فى الأنشطة التربوية الرياضية والفنية والعلمية وتحديد مواد نجاح ورسوب لا تضاف درجاتها إلى المجموع الكلى وإنما يشترط النجاح فيها لدخول امتحان الشهادة فى نهاية العام الثالث ودون الدخول فى تفاصيل مقترح القرار الوزارى بشأن نظام الدراسة فى نظام الثانوية العامة المطور: الذى عرضه السيد الوزير على اجتماع المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى مايو 2012 تجدر بنا الإشارة إلى المميزات العامة لملامح النظام الحالى للثانوية العامة ومن أهمها:
1 ـ استبعاد التفكير فى الاعتماد على نتائج اختبارات القدرات النوعية من شروط القبول فى التخصصات العلمية بالجامعات وهى من المشروعات التى احتلت قسطا كبيرا من المشروع السابق قبل الثورة لتطوير الثانوية العامة ولقد استبدل بها مجموع الدرجات الاعتبارية العام من القبول بالجامعات وسيكون هذا المعيار الاعتبارى من المجموع الكلى للدرجات مضافا إليها درجات مواد التخصص مرة أخرى.
2 ـ تخفيف العمليات الإدارية والتنظيمية المرتبطة بامتحانين فى سنة واحدة إلى امتحان نهائى واحد فضلا عن تخفيف التوتر والقلق لدى الأسرة المصرية والطلاب بنفس الدرجة.
3 ـ الاهتمام بالسلوك والمواظبة خلال الصف الثالث ويخصص لها 10 درجات تضاف للمجموع بواسطة لجنة موضوعية داخل المدرسة.
4 ـ تفعيل الأنشطة التربوية بصفوف المرحلة الثانوية بما فى ذلك الصف الثالث وبذلك أيضا يتم تحجيم مشكلة غياب الطلاب عن الصف الثالث ويتم استكمال مطالب التكوين التربوى لدى الطلاب.
5 ـ الحد من تحويل الطلاب من التخصص العلمى إلى التخصص الأدبى الذى شاع فى السنوات السابقة.
6 ـ امتداد نظام التقييم الشامل ليشمل المرحلة الثانوية ليشمل بذلك مختلف مراحل التعليم، وقد وافق المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى على ما تقدمت به الوزارة من ملامح النظام المطور للثانوية، متضمنة الخطط التفصيلية للصفوف الثلاثة من مرحلة الدراسة الثانوية بصورة عامة.
ومع ذلك كانت هناك ملاحظات عمة تطلب مزيدا من التفكير والمراجعة قبل الاعتماد النهائى مقترحات الوزارة منها على سبيل المثال ما اقترحته اثناء اجتماع المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى وهى:
(1) الاقتصار على تعليم لغة أجنبية واحدة فى المرحلة الثانوية امتدادا لما بدأ به الطالب منذ المرحلة الابتدائية سواء كانت اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية وإضافة وقتها ودرجاتها المقررة فى اقتراح وثيقة الوزارة إلى كل من اللغتين العربية والأجنبية الواحدة وبذلك لا يكون تعلم الطالب لغتين أجنبيتين كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وادعوا إلى استمرار تعليم تلك اللغة الأجنبية حتى الدراسات العليا الجامعية.
(2) مراجعة اضافة (10) درجات للسلوك والانتظام إلى المجموع العام من خلال تقديرات لجنة المدرسة لضمان انتظام الطالب فى الدراسة والحاصل أنه مهما كانت موضوعية ذلك التقدير فليس له معايير موضوعية عامة يمكن الاستناد إليها وقد تميل كل مدرسة إلى تكريم طلابها بالحصول على أعلى الدرجة، ومهما كانت نتائج هذا الانتظام والسلوك فإنها سوف تكون مقتصرة على المتقدمين للامتحان عن طريق المدرسة سوف يحرم الطلاب المتقدمون من الخارج من منازلهم من مثل هذا التقدير فى مجموعهم النهائى.
لذا اقترحت أن يكون الحصول على 85٪ من درجة السلوك والانتظام شرطا للتقدم لامتحان الثانوية العامة وبذلك نضمن انتظام الطلاب فى الدراسة كما نضمن العدالة بين طلاب المدارس والمتقدمين من منازلهم مهما كانت أعدادهم.
(3) لا أرى ضرورة للحد من تحول الطلاب الملتحقين فى عدم السماح بمن اختاروا التخصيص العلمى فى التحول إلى التخصص الأدبى. أن اختبار نوع التعليم حق من حقوق الطالب ولا يجب إجباره على ما يريد أن يتعلمه.
(4) قد ينشرح الصدر فى المواد العامة لإضافة مادة المواطنة وحقوق الإنسان وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى مقررات المادة الرئيسية مع التربية الدينية وهى مواد يمتحن فيها الطلاب ولا تضاف درجاتها إلى المجموع وأتمنى فى مقرر التربية الدينية الإسلامية إلى أن يضاف اليها قدر من معالم التربية الدينية المسيحية الأساسية، ومن أحداثها وأعيادها وتقاليدها المقدسة حيث إن هذا القدر ضرورى من الإدراك اللازم لإيمان المسلمين بالديانات السماوية كما أنها مساحة للتواصل الاجتماعى والعيش المشترك وتنطبق هذه الاضافة بالتعريف بالإسلام عقيدة ومناسبات وأعيادا مقدسة إلى مضمون التربية الدينية المسيحية.
(5) وفى مادة التربية الرياضية والأنشطة الفنية والموسيقية والمسرحية والكشافة والصحافة وغيرها يتم اختيار نشاط واحد على الأقل ويعتبر مادة نجاح ورسوب ولا تضاف درجاتها للمجموع وفى ذلك تأكيد لأهمية هذه المجالات فى تكوين الطالب البدنى والاجتماعى والوجدانى وقد اقترحت من قبيل التأكيد على أهمية تلك المواد أن تخصص ثلاث درجات إلى المجموع الكلى للحاصلين على شهادات تفوق أو بطولات أو إبداعات على المستوى الوطنى والإقليمى أو العالمى أو بمنحهم شهادة من وزارة التربية والتعليم يتقدمون بها ضمن درجاتهم إلى الكلية الجامعية أو لمكتب التنسيق لتؤخذ فى الاعتبار ضمن مؤهلهم للالتحاق بها.
(6) واقترحت كذلك إلغاء ما يسمى بمواد التربية المهنية من تكنولوجيا الصناعة وتكنولوجيا الزراعة وتكنولوجيا إدارة الأعمال والمشروعات والامتحان فيها تحريرا وعمليا فى نهاية كل فصل دراسى، ولا تضاف إلى المجموع الكلى وقد أثبتت خبرة هذه المقررات السابقة عدم جدواها وما يرتبط باسمها من إغراءات صفتها التكنولوجية. والحاصل أنه ليس هناك مجال لتوفير مطالب تعليم هذه المواد فى المدارس ولا فى المدرسين أو فى اهتمامات الطلاب أو فى عائدها المهنى أو الثقافى ولتترك هذه المجالات إلى التعليم الجامعى.
(7) أشرت إلى ضرورة تطوير أسئلة امتحانات الثانوية العامة وإلى عدم الاقتصار على الأسئلة الموضوعية التى تستدعى الإجابة عنها بعلامات (صح أو خطأ) أو إكمال عباراتها بإضافة كلمة إلى غير ذلك مما يتطلب حفظ الذاكرة. واقترحت الإضافة اليها بما يسمى بأسئلة المقال التى تستدعى القدرة على التفكير والتنظيم وسلامة التعبير.
(8) وأشرت كذلك إلى بداية التفكير الجاد فى تطوير تعليمنا بصورة عامة إلى ما لا أمل ترديده فى كل مناسبة عن تطوير تعليمنا إلى ضرورة إطالة فترة التعليم والتعلم، وأن فترة العام الدراسى لدينا من أقصر الفترات فى العالم إن لم تكن أقصرها فالعام الدراسى (المشفى) بعد خصم أيام العطلات الأسبوعية والأعياد والمناسبات القومية ودون خصم الإضرابات لا يتجاوز 170 يوما فى حين أنه لا يقل عن 200 يوم فى بعض الدول النامية بل يصل إلى ما بين 220 و250 يوما فى كثير من الدول المتقدمة ولا يتسع المجال للتفصيل فى المزايا التربوية لهذا الاستطالة.
ونشير إلى هذه الاطالة مع مناسبة تطوير الثانوية العامة ونأمل فى أن تحظى باهتمامات وزارة التربية والتعليم والهيئة التشريعية والتنفيذية فى أقرب فرصة ممكنة.
وأخيرا لا بد من التقدير لما بذلته الوزارة فى الإعداد لمتطلبات تطوير الثانوية العامة من الخطط والمناهج الدراسية وتنظيم الامتحانات وتحديد النهايات الصغرى والكبرى لدرجات المواد الدراسية لكل من طلاب القسم العلمى والقسم الاجنبى.
كذلك آمل أن تجد ملاحظاتى التى أسجلها هنا والتى أبديتها فى جلسة اجتماع المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى قبولا قبل الاعتماد النهائى لخريطة الثانوية العامة حتى تستقر سفينة الثانوية العامة، ولو إلى حين فى مرفئها الوطنى التربوى.