أوقفوا صخب الثانوية العامة - حامد عمار - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 1:57 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوقفوا صخب الثانوية العامة

نشر فى : الأربعاء 18 يوليه 2012 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 يوليه 2012 - 8:55 ص

منذ ثلاثة اسابيع أُغلِق مصراعا الزمن على باب امتحان الثانوية العامة، مخلفا صخبا من مشاعر لدى الطلاب تراوحت بين بعض فى التعبير عن السعادة والرضا، وعند كثير من الدموع والهياج والتذمر. وقد بلغت مظاهر السخط حد ارتكاب الجريمة فى بعض الحالات، حين مزق بعض الطلاب أوراق الامتحان والإجابة. ولم تخل الأحداث من حالات الغش، وتهديد المراقبين إذا لم يسمحوا بممارستها، فضلا عما ظهر فيها هذا العام من توظيف لبعض الفنون التكنولوجية.

 

●●●

 

وتنطلق الشكوى والنقد من صنوف ما ورد فى أسئلة معظم المواد من صعوبة أو عدم وضوح، أو من كونها أسئلة لا تنتمى إلى المقررات الدراسية وإلى ما ورد فى الكتب الرسمية. هذا فضلا عن طول الأسئلة بالنسبة للوقت المخصص للإجابة عنها. وأحسب أنى على بينة حين أضيف إلى أن بعض الأسئلة لم ترد فى ممارسات الدروس الخصوصية ونفقاتها الباهظة وملخصاتها الكئيبة.

 

وقد حفزنى إلى كتابة هذا المقال ما أوردته الصحفية البصيرة الأستاذة عبير صلاح الدين فى (الشروق 3/7) مقدمة ما أثاره من صخب أحد أعضاء المركز القومى للامتحانات (حول مادة الأحياء فى امتحان الثانوية العامة من صعوبة وأخطاء فنية وعلمية وأسئلة غير مطابقة للمواصفات).

 

ومن ملاحظتى الخاصة التى تستحق المراجعة لمصلحة الطلاب ازدحام أسئلة الامتحان على ورقة فولسكاب مثنية لتنقسم إلى أربع صفحات تمتلئ الأسئلة بها على الصفحات الأربع لكل مادة، مما يصعب معه أحيانا قراءة الأسئلة فى بنطها الصغير. وقد عهدنا أن تكون ورقة الأسئلة فى صفحتين فولسكاب، تسمح بقراءة ميسرة وبمسافة بين كل سؤال وآخر. وإنى لأدرك دافع الاقتصاد فى التكلفة من جانب الوزارة. ولست أدرى لماذا يتم الاقتصاد هنا، ويتم الإسراف والبذخ هناك، ما دمنا نستهدف التيسير على الطلاب. ومن مقولات فقهائنا الكرام (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

 

●●●

 

وأعود إلى العنوان الذى ارتيأته لهذا المقال، وتعليقا على ما ورد فى تقرير الصحفية السيدة عبير صلاح الدين باعتباره مَعْلَما من معالم واجبنا فى (إيقاف الصخب فى امتحان الثانوية العامة). وهو صخب إدارى من جانب الوزارة، وصخب معرفى أخلاقى من جانب الطلاب وأولياء الأمور، وصخب إعلامى من وسائط الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.

 

ويبدأ الصخب الوزارى منذ بداية الحديث عن تفاصيل ما يجرى فى التهيئة لعقد الامتحانات، من أماكن وقوة بشرية ومدير ومراقبين، وعما يسود أجواءها من شروط ومواصفات لا مثيل للحديث عنها فى أى من الامتحانات الأخرى للوزارة. ويشمل ذلك نصائح فيما ينبغى أن يسود أجواء الامتحان مما لا يحدث فى أى امتحان فى امتحان الثانوية الفنية أو حتى فى الامتحانات الجامعية.

 

ويجرى صخب من الوزير ومن بعض القيادات الوزارية بأن الامتحان سوف يكون من موضوعات المقرر، وفى مستوى الطالب المتوسط، وأن ما لا يزيد على 15% من الأسئلة التى تتطلب قدرا من التفكير وتوظيف المعلومات وتطبيقاتها. وقد يتم الإعلان عن ذلك فى الصحف أو فى مقابلات تليفزيونية مع بعض قيادات الوزارة.

 

أضف إلى ذلك استجابة الوزارة السريع أثناء انعقاد الامتحان فى الحالات التى يشكو الطلاب وأولياء الأمور من صعوبة فيها إلى المبادرة بتصحيح عينة عشوائية لتظهر نتائجها بأن لا صعوبة فيها، وأنها تتسق مع الصورة المعيارية المنشودة.

 

ولست أدرى ماذا تصنع الوزارة حاليا بالطالب الذى يضبط فى حالة غش أو إحداث شغب فى قاعة الامتحان. واعتقد أنه ينبغى أن يحاكم ذلك الطالب فورا، وأن تعلن نتائج عقوبية منذ أول يوم من أيام الامتحان ليكون ذلك رادعا لكل من تحدثه نفسه لممارسة الغش أو الاستهانة بأجواء الامتحان.

 

أما صخب الطلاب والطالبات فيتجلى خارج قاعة الامتحان عقب امتحان كل مادة، فمنهم من يخرج ليعلن سروره سعيدا بما أجاب أو سعيدة بما أجابت، ومنهم جماعات غير متأكدة من أن تصرخ أو تبكى إلا بعد مقارنة إيجابته مع مناقشة الزملاء. ثم حين يقترب الطلاب من أولياء الأمور يعلو ذلك التهليل فرحا أو البكاء خيبة، مما قد يؤثر أحيانا فى تعامل الطالب مع بقية الامتحانات. وفى جميع الأحوال فإن معظم الطلاب يقومون بالشكوى من طول الأسئلة وتعقيدها بالنسبة لما هو محدد من الفترة الزمنية للإجابة.

 

ويأتى أخيرا صخب الإعلام. بنشر الإعلاميين من قبل صحفهم أو صور أخبارهم التليفزيونية مسجلة لمختلف المشاعر فى كل مادة أو فى معظمها. وتقوم أحيانا وبتوضيح مواطن السهولة أو الصعوبة وطول الأسئلة وما هو خارج المقرر. ولن يتخلف هؤلاء الإعلاميون عن تسجيل مشاعر الآباء والأمهات، كما يقوم بعضهم بتوجيه اللوم للوزارة ونظامها فى نوع الأسئلة وفى اختيار واضعيها.

 

ولسنا ندرى إذا ما كان قد تمت استجابة من الوزارة الحالية لرغبة بعض الطلاب فى مراجعة أوراق امتحانهم الذى يعتقدون أن ثمة خطأ فى تصحيحه عن طريق جمع الدرجات لكل الأسئلة أو إغفال فى تصحيح سؤال معين. ويتم ذلك شريطة أن يدفعوا مائة جنيه للوزارة فى نظير هذه المراجعة. وأتساءل هل ستتيح الوزارة هذا الإجراء فى العام الحالى ليطمئن الطالب على مدى إنصافه وصحة درجته فى ذلك الامتحان. والخلاصة أننا نجد أنفسنا مع الوزارة ومع الطلاب فى أمواج متلاطمة بين اليقين والشك، والحق والعدالة فى امتحان الثانوية العامة، مما ليس له مثيل فى أى امتحان آخر.

 

●●●

 

وأتجاسر مطمئنا إلى القول بأن ما يجرى فى امتحان الثانوية العامة من جميع الأطراف ليس له مثيل فى أى امتحان للثانوية العامة فى أى دولة من الدول المتقدمة أو الناهضة أو المتخلفة. وليس فى هذا الصخب أى خيط من نسيج ديمقراطية التقويم وعدالته. وهذا الأسلوب من التعامل مع امتحان الثانوية ليس له مبرر فى امتحان عام يتم فى نفس الوقت وفى جميع المحافظات. والمعروف أن وظيفة مثل هذا الامتحان هو التمييز بين مختلف القدرات والمستويات والمهارات لدى الممتحنين والممتحنات ليكون معيارا مصَنفا لمن يتاح لهم مواصلة مرحلة التعليم العالى/ الجامعى، ومن ثم علينا تقدير قدسيته واحترام نتائجه.

 

وليتذكر كل المعنيين بامتحان الثانوية العامة: وزارة، وطلابا وأولياء أمور وإعلاما وغيرهم بأن فى معظم الاختبارات يكون من بين أهدافها قياس قدرة السرعة فى الإجابة عن كل أسئلتها أو بعضها. ومرد ذلك إلى اختبار عامل السرعة فى الإيجاز، وهو مهارة وقدرة مطلوب تكوينها أثناء العملية التعليمية التى تعد خريجى التعليم الثانوى والعالى لسوق العمل. ومن ثم فإنها ليست واحدة من عيوب الامتحان، بل إنها من شروطه.

 

وعلينا أن نتذكر أيضا أن مسيرة الحياة كلها أنواع من الامتحانات فى مواجهة لمختلف مطالب الحياة. وعلى طلابنا أن يتعودوا على امتحاناتهم إعدادا لهم للنجاح فى امتحانات الحياة والعيش بعبلها ووبرها، دون بكاء أو غش أو تهرب. وأنا إذ أحرر هذا المقال أجد نفسى فى حالة امتحان أمام الصحيفة والقارئ، فضلا عن امتحانات فى مواجهة مشكلات الحياة الخاصة والعامة. وفى ضوء كل ما أشرت إليه فى هذا المقال أعيد مطالبتى بأن (أوقفوا صخب الثانوية العامة) الذى أعتبره خطيئة كبرى فى سداد تعليمنا. وفى جميع الأحوال فإن كل من جد وجد. ولنتذكر قول الحق جل جلاله (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى).

حامد عمار شيخ التربويين
التعليقات