كل الطرق السياسية فى مصر تؤدى إلى صنع ديكتاتور يملك ويحكم بصلاحيات نصف إله، ليس فقط لغياب السلطة التشريعية التى تراقب وتنتقد وتسن القوانين، ولا بسبب تعطيل تطبيق مواد الدستور الذى يجعل البرلمان شريكا فى الحكم، ولكن أيضا بسبب الضعف البنيوى فى تركيبة مؤسساتنا الحزبية، وضحالة ثقافة الرأى العام، وتشتت جهود القوى الديمقراطية الساعية لصنع تغيير جذرى فى حياتنا السياسية، وضعف تأثيرها فى حركة الشارع، مع تراث قمعى استبدادى عريق، تحرسه بعناية فائقة أجهزة الدولة العميقة التى تعتقد أنها بدون تمسكها بهذا التراث، سوف يصبح البلد كله وكأنه ريشة فى الهواء!
ولكن هل يكون السيسى هو هذا الديكتاتور المنتظر؟!.. وهل يصبح نسخة جديدة من عبدالناصر، ويعيد تجربته البائسة فى تأميم الحياة السياسية، وضرب قوى المعارضة، وتبنى سياسات بوليسية تنتهك حقوق الإنسان وتهدر آدميته؟!
موضوعيا، يستطيع الرئيس أن يمضى فى هذا الطريق، وأن يستمع إلى الاقتراحات المسمومة التى تنصحنا بأن نجرى تعديلات دستورية، تمنحه صلاحيات أكبر على حساب الصلاحيات التى كفلها الدستور للبرلمان القادم، ولكن على الرئيس فى هذه الحالة ألا ينتظر مصيرا مختلفا عن نكسة يونيو 67، وألا يعتقد أن البلد ستجد استقرار تفتقده منذ ثورة يناير 2011، فالمؤكد أن السعى نحو بناء نظام سلطوى فى مصر سيكون أفضل هدية مجانية يقدمها الرئيس لمعارضيه، ليكسبوا أنصارا جددا لهم، وليوسعوا من دائرة المناوئين له فى الداخل والخارج!
بعد عام من رئاسة السيسى، ظهرت مؤشرات دالة ــ وإن كانت غير نهائية – حول توجهاته الاقتصادية، والتى لا تختلف كثيرا عن توجهات مبارك ولا توجهات الإخوان المسلمين، بالاعتماد على قانون السوق كمحرك لعجلة التنمية الاقتصادية، مع غياب تام لمفاهيم العدالة الاجتماعية، وهو ما يؤكده الاستمرار فى تقليص الدعم، وصولا لإلغائه تماما فى غضون عدة سنوات، مع غض الدولة الطرف عن ارتفاع اسعار السلع والخدمات الأساسية، والاستمرار فى تدليل كبار الأغنياء بخفض الضرائب المفروضة على أرباحهم، فى حين تبدو المشاريع الكبرى كحفر قناة السويس واستصلاح الملايين من الأراضى الزراعية وغيرها، بلا مضمون واضح يبين بشفافية: كيف ومتى ستنعكس عوائدها على تحسين مستوى حياة ملايين المصريين من الفقراء ومحدودى الدخل؟!
أما على مستوى الحريات السياسية فلا يزال نظامنا السياسى يقف على عتبات حكم حسنى مبارك الذى يسمح بحركات معارضة محدودة ومحسوبة، ووضع خطوط حمر لا يتجاوزها أحد، وإلا ستلاحقه الاتهامات بالخروج على الإجماع الوطنى، وتهديد الاستقرار، وعرقلة التنمية الاقتصادية، وهو ما يصب فى النهاية فى مصلحة جماعة الاخوان المسلمين الإرهابية وحلفائها من التظيمات المتطرفة.
الرئيس السيىسى الذى يبذل جهودا ضخمة على الصعيد الاقتصادى، مطالب بأن يبذل هذه الجهود، وبنفس الحماس والتفانى، فى تنمية البنية الأساسية لحياتنا السياسية المزرية، والتى قد تبدأ بإلغاء قانون التظاهر، وإطلاق سراح كل المعتقلين من شباب الثورة، وفتح المجال أمام حرية النقد والتعبير، مرورا بإصلاح جهاز الشرطة ومنظومة التعليم فى المدارس والجامعات على أسس ديمقراطية، انتهاء بالاسراع فى إجراء الانتخابات النيابية، حتى لو جاءت ببرلمان مشوه أو ضعيف أو يضم اعضاء محسوبين على الإخوان، فالشعوب تتعلم من التجربة والخطأ، وتحمل السيسى لهذه المخاطرة أهون كثيرا من أن يصبح هو شخصيا ديكتاتورا، حتى لو كان ذلك بغير رغبته أو إرادته الحرة!
البرلمان الضعيف سيكون قدرنا الذى نستطيع أن نتحمله وأن نغيره فى المستقبل، أما الرئيس الديكتاتور فسوف يكون أقصر طريق لفوضى عارمة، قد تتأخر عدة سنين ولكنها ستداهمنا فى نهاية المطاف، بأسوأ السيناريوهات وأكثرها دموية!