قانون «قيصر».. متضررون ومستفيدون - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:14 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون «قيصر».. متضررون ومستفيدون

نشر فى : الثلاثاء 9 يونيو 2020 - 8:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 يونيو 2020 - 8:20 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب علاء حلبى... نعرض منه ما يلى:

يأتى قانون العقوبات الأمريكى الجديد، المعروف باسم «قانون قيصر»، فى وقت حساس بالنسبة إلى سوريا، التى تراجعت فيها حدة المعارك، ودخلت ملفات ميدانية عدة فيها ضمن سراديب السياسة.
يترافق تطبيق «قانون قيصر» مع بدء الانتعاش الزراعى فى سوريا، سواء بسبب انحسار المعارك وسيطرة الحكومة السورية على مناطق واسعة من البلاد، أو بسبب تحسن الظروف الجوية، التى ساهمت بدورها فى زيادة المحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها.
كما يأتى تطبيق هذا القانون بعد إبعاد الحرب عن حلب التى كانت تمثل عاصمة الاقتصاد السورى، وبدء التخطيط لما يمكن إنجازه فى مراحل إعادة الإعمار المبدئية فى المدن والمناطق المتضررة، والتى تعول عليها الحكومة السورية كـ«فرصة» استثمارية ذات عوائد كبيرة يمكن أن تبنى عليها سلسلة من الاستثمارات المتلاحقة التى يمكن أن تمثل فرصة هامة لدول حليفة لدمشق.
كذلك، يتزامن تطبيق هذا القانون مع التعثر الاقتصادى الذى تعيشه سوريا سواء بسبب الآثار التراكمية للحرب، وحالة الكساد التى تعيشها الأسواق السورية فى الوقت الحالى، أو بسبب الأزمة الاقتصادية التى يعيشها لبنان والتى تسببت بمجملها فى تدهور قيمة الليرة السورية بشكل كبير ومتسارع، الأمر الذى زاد من الهوة الموجودة أصلا بين مستويات الدخل وتكاليف المعيشة والانفاق، ما ساهم بمجمله فى زيادة تعقيد المشهد الاقتصادى السورى بشكل عام.
فى أول ردة فعل رسمية سورية حول طريقة التعامل مع هذه العقوبات، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورى الدكتور محمد سامر الخليل أن دمشق درست آليات التعامل مع العقوبات الواردة فى «قانون قيصر»، وآثارها، بهدف التخفيف من حدتها، داعيا إلى «عدم التهويل» فى ما يتعلق بآثار هذا القانون على الاقتصاد السورى، والنظر إليه «بواقعية». وأشار فى تصريحات نشرتها صفحة وزارة الاقتصاد السورية إلى أن «سوريا تتمتع بعدد من المقومات للاعتماد على الذات اقتصاديا، وهو ما يتم العمل عليه اليوم، كما فى الفترة السابقة بشكل حثيث»، مشددا فى الوقت ذاته على «دور الأصدقاء»، حيث قال «تشير الوقائع إلى أنه كلما ازدادت الضغوط، ازداد التعاون الوثيق بين سوريا وأصدقائها، لتجاوز المحن والمصاعب».

حلفاء وجيران على «الميزان»
يركز قانون العقوبات الأمريكى بشكل مباشر على الدول والأشخاص الذين يتعاملون مع الحكومة السورية، الأمر الذى تنتظر واشنطن منه أن ينعكس بشكل مباشر على حليفى دمشق الرئيسيين: روسيا وإيران، سعيا للحد من إمكانية قطف ثمار الانتصارات العسكرية التى تمكنا من تحقيقها فى سوريا إثر انتصارات الجيش السورى الذى استعاد مناطق واسعة، خصوصا بعدما أصرت دمشق على منح أحقية الاستثمارات فى ملفات إعادة الإعمار، وفى مجالات اقتصادية واستثمارية مختلفة لحلفائها، حيث استفادت روسيا بشكل كبير من تدخلها فى سوريا عبر استثمار مرفأ طرطوس، أو عن طريق المشاريع المختلفة فى قطاعات الثروات الطبيعية (فوسفات، غاز.. وغيرها)، كما استفادت إيران من استثمارات مختلفة آخرها عقد استكشاف البترول وتنميته وإنتاجه فى البلوك رقم 12 فى منطقة البوكمال، والذى جاء لصالح سداد الدين الائتمانى طويل الأجل وفق بيان «لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة» فى مجلس الشعب السورى.
وتحتل روسيا وإيران مرتبة متقدمة فى قائمة الدول التى تستورد منها سوريا، حيث تحتل روسيا المرتبة الرابعة وفق بيانات وزارة الاقتصاد السورية بحجم مستوردات بلغ نحو 69 مليون يورو، تسبقها كل من الهند، ومصر، والصين التى تتصدر القائمة بأكثر من 700 مليون يورو، فى حين تحتل إيران المرتبة السادسة.
ولم تظهر بعد ردة فعل واضحة من هذه الدول حول آليات التعامل مع العقوبات الأميركية الجديدة، برغم إسراع روسيا خلال الأسبوعين الماضيين إلى اتخاذ بعض الإجراءات المبدئية، أبرزها تسليم سوريا طائرات «ميغ 29» محدثة، والدخول فى مفاوضات تسمح لموسكو بالتوسع فى مياه المتوسط، إضافة إلى تعيين السفير الروسى فى دمشق سيرغى يفيموف مبعوثا رئاسيا خاصا إلى سوريا.
وفى وقت اعتبر فيه كثيرون أن القانون الأمريكى من شأنه أن يضيق الخناق على الاستثمارات الروسية فى سوريا، والحركة التجارية بين البلدين، قلل آخرون من تأثير هذا القانون على روسيا، خصوصا أن موسكو تعتبر المصدر الأبرز للسلاح فى سوريا، إضافة إلى وجود استثمارات روسية كبيرة ومختلفة فى سوريا على الرغم من وجود عقوبات أمريكية وأوروبية سابقة، معتبرين أن الأثر الوحيد لهذه العقوبات على روسيا هو مجرد «ورقة ضغط تفاوضية سياسية جديدة» فى يد واشنطن خلال محادثاتها مع موسكو.
كذلك، تظهر بيانات وزارة الاقتصاد ارتفاع حجم الصادرات السورية إلى كل من لبنان وعدد من دول الخليج، أبرزها السعودية التى تتصدر قائمة الدول المستوردة من سوريا، وذلك بعد فتح معبر «نصيب» الحدودى إثر سيطرة الجيش السورى على الحدود السورية الأردنية قبل نحو عامين.
وعلى الرغم من عدم عودة نشاط معبر البوكمال – القائم الحدودى بين سوريا والعراق، ارتفع حجم الصادرات السورية إلى العراق خلال العامين الماضيين، عبر الأردن، حيث استورد العراق سلعا وبضائع بنحو 50 مليون يورو ليأتى ثانيا فى قائمة الدول التى تصدر إليها سوريا. ومثلت المنتجات الزراعة العمود الفقرى لقائمة السلع التى تصدرها سوريا، خصوصا أن هذا النوع من السلع يتمتع بإرث تاريخى.
وبرغم عدم وجود بند فى قانون «قيصر» يمنع المنتجات الزراعية السورية من الوصول إلى الأسواق الخليجية ودول الجوار، فإن تأثير هذا القانون قد يكون محتملا، خصوصا أنه يمنح الرئيس الأميركى صلاحيات واسعة تسمح له بمعاقبة أى شخص أو كيان أو دولة تربطها بسوريا علاقات اقتصادية جيدة.
ويأتى القانون ليزيد الضغوط على إيران التى تعانى من عقوبات هى الأخرى، وتتعرض لضغوط كبيرة فى العراق وسوريا، الأمر الذى يزيد بمجمله من تعقيد المشهد، ويفتح الباب أمام دائرة جديدة من العلاقات الاقتصادية خارج نطاق هذا القانون، سواء عبر وسطاء، أو عن طريق إنشاء شركات خاصة تتولى متابعة النشاطات التجارية والاستثمارية فى ظل العقوبات دون أن تتأثر شركات أخرى بها، خصوصا أن روسيا وإيران خبرتا العقوبات الأميركية على مدى عقود طويلة، وخبرتا أيضا سبل الالتفاف على هذه العقوبات، وإن كانت أخف وطأة من «قانون قيصر».

أبواب خلفية… ومستفيدون
ضمن الظروف الحالية، يمكن اعتبار تركيا من أكثر الدول استفادة من القانون الأمريكى، سواء بسبب الآثار السياسية لهذا القانون والتى تعطى أنقرة متنفسا فى ظل تعقيدات المشهد الميدانى فى الشمال السورى الذى يمثل قنبلة موقوتة فى ظل انحشار عدد كبير من المقاتلين والجهاديين فى مناطق ضيقة قرب الحدود مع سوريا، أو لأسباب اقتصادية، حيث استفادت تركيا بشكل كبير من الحرب السورية، ووسعت حضورها فى الأسواق العراقية، إذ تشير الإحصاءات الرسمية التركية إلى أن أكثر من 12 ألف شركة تركية تصدر منتجاتها إلى العراق، إضافة إلى المنتجات الزراعية، ليصل حجم الصادرات التركية نحو 9 مليارات دولار العام الماضى، ومن شأن أى نشاط استثمارى أو تجارى سورى فى العراق أن يزاحم النشاط التركى، خصوصا أن المنتجات السورية تتمتع فى الوقت الحالى بأسعار منافسة جدا فى ظل تراجع قيمة الليرة السورية، إضافة إلى مكانتها التاريخية فى الأسواق العراقية.
كذلك، قد تمثل تركيا بابا خلفيا لعمليات التهريب التى قد تستفيد منها الفصائل المسلحة كمصادر تمويل إضافية عن طريق تنشيط عمليات التهريب، القائمة أصلا، فى ظل النقص المتوقع فى بعض المواد نتيجة للعقوبات، وإحجام بعض الدول عن عمليات التصدير المباشرة إلى سوريا، خصوصا أن أنقرة استثمرت المناطق الشمالية من سوريا خلال السنوات الماضية، وحولتها إلى سوق لتصريف البضائع الرديئة، حيث رفعت من حجم صادراتها إلى سوريا من 200 مليون دولار العام 2010 إلى نحو 600 مليون دولار العام 2016، معظمها سلع غذائية يتم إدخالها إلى سوريا بطريقة غير رسمية، وفق دراسة نشرها مركز «كارنيغى» للأبحاث العام الماضى حملت عنوان «سوريا والأمن الغذائى فى المنطقة».
وإضافة إلى تركيا، تظهر «الإدارة الذاتية» الكردية (مناطق قسد) التى تسيطر على مناطق حدودية مع العراق كمستفيد محتمل أيضا من هذه العقوبات، خصوصا أن العقوبات استثنتها، حيث تسيطر «قسد» بدعم أميركى على أبرز منابع النفط فى سوريا، الأمر الذى قد تستثمره أيضا فى ظل نقص الامداد النفطى المتوقع جراء العقوبات الأميركية الجديدة التى ضاعفت من مصاعب توريد المشتقات النفطية.
فى هذا السياق، ربط محللون بين تسيير دوريات روسية على طريق M4 الذى يربط المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من سوريا بالشمال السورى ويتفرع نحو المناطق الجنوبية والساحلية، وبين «قانون قيصر»، حيث تم اعتبار هذه الخطوة «استباقا» للقانون الأميركى الجديد، الأمر الذى أشار إليه المحامى والباحث الاقتصادى عمار يوسف خلال حديثه إلى «180»، معتبرا أن فتح الطريق ذو دلالة سياسية واجتماعية أكثر منها اقتصادية فى الوقت الحالى. وأشار يوسف فى الوقت ذاته إلى إمكانية الاستفادة من هذا الطريق بالتنسيق مع الأكراد لتجاوز العقوبات الأميركية، لكنه لفت إلى أن «هذا الأمر مرهون بالموقف الأمريكى». وتابع «علينا أن ننتظر لنرى مفاعيل هذا القانون وتأثيراته الفعلية».
ومن شأن قانون العقوبات الأمريكية أن يعزز أيضا دور الشركات الوسيطة، التى تنشط فعليا فى الوقت الحالى بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية القائمة، والتى تسببت بارتفاع تكاليف الاستيراد بنسب تراوحت بين 40 و60 فى المائة، حيث يمثل «قيصر» فرصة جديدة لهذا النوع من الشركات، سواء تمت عمليات الاستيراد عبر الحدود الرسمية، أو عن طريق عمليات التهريب التى قد يزداد نشاطها فى ظل الأزمات المتوقعة فى بعض السلع والمواد جراء العقوبات الجديدة.
وتأتى هذه الضغوط الاقتصادية الجديدة لتحل بكامل ثقلها على المواطن السورى الذى يمثل الحلقة الأضعف وسط هذه المعادلة، فى ظل التدهور الاقتصادى الكبير الذى حل بسوريا جراء الحرب والعقوبات، حيث قدرت أحدث دراسة نشرها «المركز السورى لبحوث السياسات» حجم الخسائر الاقتصادية فى سوريا حتى نهاية العام 2019 بنحو 530 مليار دولار، فى زيادة قدرها نحو 130 مليار دولار على التقديرات السابقة حول حجم الخسائر والتى كانت بحدود 400 مليار دولار.

النص الأصلي
https://bit.ly/37bCR5S

التعليقات