لا أحد ــ حتى الآن ــ يمكنه أن يزعم معرفته بما حدث بالضبط أمام الحرس الجمهورى، فأسرار اللحظة التى انطلقت عندها المجزرة، لاتزال أسيرة التوظيف السياسى لطرفى الصراع، فالإخوان المسلمون يزعمون أن قوات الحرس الجمهور أطلقت النار على المعتصمين خلال ادائهم صلاة فجر أمس فقتلت منهم أكثر من 70 معتصما من بينهم نساء وأطفال بحسب بيان لنقابة الأطباء، وهو ما نفته وزارة الصحة نفيا قاطعا، مؤكدة انه لا ضحايا من النساء ولا الأطفال.
أما الجيش مع شهود عيان من المنطقة، فيؤكدون أن 9 موتوسيكلات يقودها أنصار الإخوان المسلمين بدأوا بإطلاق النار على قوات الجيش والشرطة، فى محاولة اقتحام دار الحرس الجمهورى بدعوى تحرير الرئيس المعزول محمد مرسى، لأنه بحسب اعتقادهم محبوس بداخله، وان قوات الجيش اضطرت للدفاع عن نفسها فبادلت المهاجمين اطلاق النار، مما أسفر عن سقوط ضحايا منهم عناصر من الجيش والشرطة.
أنا شخصيا، لا استطيع تصديق رواية الإخوان، بان الجيش بادر باطلاق النار على المعتصمين، خاصة أن هذه الرواية يشوبها مبالغات غير معقولة تتعلق باختيار الجيش لصلاة الفجر موعدا لقتل المعتصمين، وذلك فى محاولة مكشوفة من الإخوان لتشويه صورته، وكسب تعاطف البسطاء، وكأن الجيش المصرى جيش احتلال أو انه جيش إسرائيل!
ومع انه قد يكون هناك عناصر فلسطينية أو سورية أو عراقية متورطة فى الأحداث، لإثارة الوقيعة بين الجيش والشعب تنفيذا لخطة إخوانية لإشعال الفوضى فى مصر، إلا أن هذا لا يعفى الجيش من كشف دور قواته فى ما حدث بشفافية تامة، ومعاقبة عناصره التى قد تكون تورطت فى استخدام العنف بشكل مبالغ فيه، حتى لو كان ثمن ذلك اعفاء الفريق عبدالفتاح السيسى من منصبه بل ومحاكمته أيضا!
لكن لو ثبت كذب رواية الإخوان، فإنه ينبغى فورا إحالة كل قياداتهم وعناصرهم المتورطة فى هذه المجزرة، للمحاكمات العسكرية وتوقيع أقصى عقوبة عليهم، وتطبيق العزل السياسى على كل عضو بالجماعة يتخاذل عن إدانة قيادتهم الذين يلعبون بالنار، ويشعلون الحرب الأهلية فى مصر بهذه الأكاذيب الرخيصة.
ومع أن بعض القنوات الفضائية أذاعت امس لقطات صورها الجيش وتثبت تورط عناصر الإخوان فى إشعال فتيل هذه المجزرة، وتؤكد العثور على كميات كبيرة من الأسلحة داخل خيام المعتصمين، إلا انه لا ينبغى إطلاق حكم نهائى بإدانة الإخوان بناء على هذه اللقطات، فالمطلوب تشكيل لجنة تحقيق نزيهة ومستقلة لكشف كل أسرار هذه المجزرة، وتسخير كافة الامكانيات أمام هذه اللجنة، بدون ان تتعرض لأى ضغوط سياسية من أى طرف كان!
مجزرة الاتحادية سيترتب عليها أن تطير بعض الرقاب لأنها ستكون حدا فاصلا فى تاريخ ثورة يناير، وسيتحدد بناء عليها مستقبل التيارات الإسلامية، فإما ان تكون بريئة من هذه المجزرة وهو ما يرتب لها حقوق لدى الجيش، وإما ان يثبت إدانتها، وساعتها ينبغى ان يكون حسابها عسيرا، خاصة أن الكثير من قيادات هذه التيارات هددتنا بتكرار النموذج السورى فى مصر، ودعت الدول الغربية إلى التدخل فى شئوننا الداخلية والضغط على قواتنا المسلحة ومنع المساعدات العسكرية لها حتى تعيد مرسى للحكم، وهو ما يستوجب محاكمة هذه القيادات بتهمة الخيانة العظمى، حتى لو هددت كوادر هذه التيارات بإشعال العنف فى مصر!.