فى الوقت الذى كان فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى يلقى كلمته فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة أمام حشد من ضيوف مصر وأهلها معلنا فيها الانتصار على «الفكر الإرهابى المتطرف»، كان عدد من قادة جماعة الإخوان يجتمعون فى إحدى العواصم الأوروبية لبحث إقامة قنوات اتصال مع النظام المصرى الحاكم.
«وقف تنفيذ أحكام الإعدام، والملاحقات الأمنية.. مقابل التهدئة ووقف عمليات العنف»، تلك هى الرسالة التى قرر المجتمعون تحميلها عبر وسطاء لطرحها على من بيده الأمر داخل الحكومة المصرية.
قبل ذلك الاجتماع بأيام، تمكن حلمى الجزار أحد أبرز قادة الجماعة والمفرج عنه بكفالة على ذمة قضية أحداث عنف «بين السرايات» من السفر إلى الخارج عبر أحد المطارات، فيما هرب على بطيخ وهو أحد القادة الذين شاركوا فى إدارة التنظيم عقب فض اعتصام رابعة إلى دولة مجاورة عبر الحدود، وفقا لما كشفه زميلى محمد خيال فى «الشروق» الأسبوع الماضى. فى مطلع نفس الأسبوع نشر خيال تقريرا عن سفر حسن مالك رجل الأعمال الإخوانى إلى تركيا ومنها إلى الرياض والتقى خلال زيارته مسئولا سعوديا، ليحمله رسالة تتشابه فى مضمونها مع ما انتهى إليه اجتماع إخوانه السالف الذكر ــ الخبران لم تنفهما أى جهة حتى كتابة هذه السطور.
إذن التنظيم قائم.. موجود.. قادته يجتمعون.. ويسافرون إلى الخارج.. ويلتقون مسئولين بدول صديقة للنظام المصرى، يسعون إلى «تخفيف الأحكام والكف عن الملاحقات»، أو على الأقل هذا ما يصرحون به ويريدون أن يرسلوه إلى المسئولين فى القاهرة.
لا جدال أن الضربات والملاحقات الأمنية أنهكت التنظيم، ودفعت قادته إلى البحث عن طريق آخر فى رحلة تمكين جديدة، قد تنتهى بعودة الجماعة لملء كل فراغ قد يحدث نتيجة تخلى الدولة عن القيام بواجباتها تجاه مجتمعها.
لقد نجحت الجماعة خلال العامين الماضيين فى جر النظام الحاكم إلى السيناريوهات التى ترسمها، واصبحت سياسات الدولة وتحركاتها فى هذا الملف مجرد رد فعل لما يقوم به التنظيم.
قبل خلع محمد مرسى فى 30 ــ 6 خطط كهنة المقطم فى صناعة مظلومية جديدة يتاجرون بها.. قرروا كتابة «تاريخ مواز» ملطخ بدماء شبابهم، يمكنهم من استقطاب جيل جديد ويحافظ على الفكرة والتنظيم، فشدوا الرحال إلى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، وهم يعلمون ماذا بالضبط يريدون من الاعتصام «جر النظام إلى عملية فض عنيفة تنتهى بما يمكن تسويقه على أنه مجزرة».. النظام قدم لهم ما يريدون، علما بأن عملية الفض كان من الممكن أن تتم دون أراقة قطرة دم، فميدان رابعة خلى تقريبا من المعتصمين بعد بيان القوات المسلحة فى 3 ــ 7.
أخطاء نظام 30 يونيو بفتح باب سجن طرة لوفود دبلوماسية عربية وغربية للقاء قادة الجماعة المحتجزين على ذمة قضايا عنف.. لم تقرأ أجهزة الدولة عقلية التنظيم جيدا، ولم تدرك الخلافات المتجذرة بين التيارات التى أعادت تأسيسه فى سبعينيات القرن الماضى، ولم تقدم حتى الآن ما يدفع عددا كبيرا من القواعد إلى الكفر بما تم شحنهم به.
إن بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى تحدث عنها الرئيس فى خطابه الأخير، لن يتم إلا بعد طى صفحة الإخوان، فإذا كان النظام جادا فى تحقيق ذلك فعليه أن يراجع أخطاءه، ويتوقف عن استخدام الجماعة كفزاعة أو ذريعة للتضييق على الحريات العامة، ويفتح الباب أمام دمج كل من ينبذ العنف ويعترف بالدولة الجديدة «ثورة ونظاما ودستورا»، ولا يسمح فى المقابل بعودة التنظيم مرة أخرى، حتى تنتفى مبررات وأد عملية التطور الديمقراطى.
محمد سعد عبدالحفيظ
saadlib75@gmail.com