التعليم عن بُعد هو أسلوب فرضته جائحة كوفيد 19، بأن جعلت الدول الطلاب فى مراحل التعليم الجامعى وقبل الجامعى يقومون بتلقى العلم وإجراء التقويم عقبه عبر الوسائل الافتراضية، كبديل عن ذهاب الطلاب إلى مؤسسات التعليم سواء المدارس أو الجامعات.
أسلوب التعليم عن بُعد انتشر كالنار فى الهشيم لعامين دراسيين ماضيين، عقب الوباء الذى ضرب العالم، فأصبح وقتئذ ضرورة، وعوضًا عن انتشار العدوى نتيجة احتكاك الطلاب وتزاحمهم.
عديد الدراسات التى أجريت فى الولايات المتحدة وألمانيا الاتحادية أثبتت أن التعليم عبر الوسائل الافتراضية رغم كونه ضرورة للحد من تداعيات انتشار الوباء، إلا أنه كان له مثالبه الكبيرة على العملية التعليمية.
ونظرًا لما تعانيه العملية التعليمية فى مصر من مشكلات قبل انتشار الوباء، فالمؤكد أن مثالب التعليم عن بُعد فى مصر تأتى لتضيف نواكب على العملية التعليمية فوق النواكب القائمة أصلا والمتمثلة فى مشكلات فى المنهج والمدرس والطالب والمبنى، وهى مشكلات معروفة، جرى التعامل معها بوسائل جعلت الطالب المصرى حقل تجارب عبر نظم التابلت والبابل شيت والتقويم عبر الكتاب المفتوح وغيرها من وسائل نحن هنا فى حل من تكرار مثالبها.
غياب الطلاب عن المؤسسة التعليمية، أدى إلى مشكلات كبيرة فى الاستيعاب، ومشكلات فى التواصل بين الطلاب بعضهم البعض، ومشكلات فى الحوار بين الطالب من ناحية والمدرس أو الأستاذ من ناحية أخرى. كل ما سبق خلق مشكلات وفجوات أكاديمية وثقافية كبيرة، ناهيك عن المشكلات الناتجة عن المتابعة والتفاعل وغيرها من أمور. فالأمور المتصلة بوجود وسائل لتلقى العلم من المنزل، دون حركة خارج المنزل من قبل الطالب أو المعلم، وتلقى العلم بثياب المنزل، وتحرير الطالب من رؤيته وأحيانًا سماع صوته عبر تطبيقات خارجة عن تحكم المعلم فى قيادة المشهد داخل الفصل المدرسى أو قاعات المحاضرات، كلها أمور سببت الجهل والتخلف الشديد لشباب سيعانى المجتمع المصرى والعالم من وجود هؤلاء حتى خروج هؤلاء لسن التقاعد، فيما قد يسمى مستقبلا بجيل تعليم كورونا.
وبطبيعة الحال، إذا أضيف لكل ما سبق مشكلة المشاكل وهى التقويم، عبر النظام الافتراضى، والذى يتيح للطالب الغش المفتوح أو مساعدة الغير فى حل الامتحانات والأنشطة المختلفة، ما يؤدى لمنح درجات كبرى للممتحنين، وفى نفس الوقت تخريج كم هائل من الشباب بلا وعى أو دراسة وإن شئت القول الجهل الكبير، لتبين كيف سيؤثر هؤلاء على عائد التنمية المرجو فى المجتمع طيلة بقاء هذا الخريج ضمن قوى العمل الضاربة.
من هنا فإنه قد آن الأوان للعودة إلى التعليم المنتظم فى مؤسسات التعليم المختلفة، مع أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة تداعيات الوباء، بأخذ المسحات الدورية، والتطعيم، وارتداء أقنعة الوجه، والالتزام بقواعد التباعد الاجتماعى، وكثافة الفصول وقاعات المحاضرات، والتنظيف الدورى للقاعات والمعامل، وتداول استخدام المطهرات فى مؤسسات التعليم، وغيرها من وسائل.
إن الناظر إلى الشارع سواء فى مصر أو غيرها من بلدان العالم، ليجد أن الحياة تسير رغم الوباء، وإن فتح الأنشطة التجارية والترفيهية هو أمر واقع دون أن يكون هناك أى نواكب غير تلك المعروفة منذ ظهور الجائحة حتى اليوم. فالمطاعم وقاعات الاحتفالات والنوادى الرياضية والاجتماعية وملاعب الكرة وغيرها من أماكن تعمل دون مشكلات من قبل مؤسسات الدولة سواء فى مصر أو فى العديد من بلدان العالم، من هنا يبقى السؤال لماذا يتحمل التعليم وهو ثروة الأمم وعلامة تقدمها وازدهارها مشكلات أمر يمكن الحد من تداعياته!!.
لقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية مخاطر بقاء وضع إغلاق مؤسسات التعليم على العملية التعليمية على المجتمع والدولة، وسعت بدءا من هذا العام، والذى بدأ بالفعل منذ نحو ثلاثة أسابيع، وهو العام الثالث للجائحة، للتعامل مع الجائحة كأمر واقع ومستمر فى المدى القريب. وعلى نفس النهج تدرس ألمانيا الاتحادية أن تعود الدراسة لمؤسسات التعليم فى الموسم الدراسى التالى الذى سيبدأ فى أكتوبر القادم بنظام انتظام الطلبة فى الحضور، وإلغاء نظام التعليم الافتراضى الذى سبب مشكلات فاقت المشكلات الصحية الواقعة والمتوقعة.
من هنا يفترض ألا تتخاذل مصر عن ركب عودة التعليم لمؤسسات التعليم الجامعى وقبل الجامعى، مع أخذ الاحتياطات اللازمة، حتى لا نزيد على مشكلات التعليم القائمة مشكلات أخرى.