نتحدث كثيرا عن التعليم، ودوره فى بناء ثقافة المواطنة، ودعم التعايش المشترك، ولكن يبدو أننا بحاجة أن نذهب إلى مرحلة ما قبل التعليم، التى يتشكل ذهنية الطفل فى الحضانة التى يلتحق بها قبل الذهاب إلى المدرسة.
قرأت تصريحات منسوبة إلى محمود بدر، عضو مجلس النواب، عن الحضانات الشرعية التى تلعب دورا فى تنشئة الأطفال، لا تقبل أطفالا مسيحيين، وتعلمهم رفض الآخر، والتطرف، وتعتبر الفن والأغانى والموسيقى والرسومات والصور حراما.
وكان النائب محمود بدر تقدم فى شهر سبتمبر الماضى، بطلب إحاطة عاجل موجه لرئيس الوزراء، والدكتورة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، بشأن المناهج التى تدرس فى الحضانات الشرعية السلفية.
فى الواقع أن هذه التصريحات تلفت الانتباه إلى قضية متكررة، طالما تحدثنا عنها كثيرا هى الحضانات التى تتولى تكوين الأطفال فى مرحلة مبكرة من العمر، وهى أفكار تظل راسخة فى أذهانهم، تسير برفقتهم، وتحتاج إلى جهود مكثفة للتعامل معها. فى هذه السن نريد أن نعلم الأطفال ثقافة المواطنة، والتعاون، والعمل المشترك، أسوة بما يحدث فى الدول المتقدمة، أما نحن ننقل لهم أفكارا سلبية عن الآخر، أو فى أحسن الأحوال لا نقدم لهم ببيئة صحية يتفاعلون فيها ايجابيا.
الحق يقال، إن الحضانات الشرعية أو السلفية حسب تعبير نائب مجلس النواب ليست وحدها التى لا تسمح بالتفاعل بين الأطفال المختلفين فى المعتقد الدينى، هناك أيضا حضانات مسيحية تضم فقط أطفالا مسيحيين، وقد يقال أيضا عليها إنها تحول دون تفاعل الأطفال المختلفين فى المعتقد الدينى، ولكن لا أظن أنها تحض على كراهية المختلفين دينيا، ولم يحدث أن نقل عن أى منها أنها حضت على كراهية أو عنف أو رفض للآخرين.
بعيدا عن ذلك، فإننى أرى أن من الأهمية أن تكون هناك حضانات مشتركة تجمع كل الأطفال بغض النظر عن الاختلاف الدينى، وتسعى إلى بناء ثقافة مشتركة بينهم. هذه مسئولية جسيمة لا يجب التنصل منها. فالحضانة مثل المدرسة والجامعة والجيش وغيرها من المؤسسات التى تقوم على تجميع المواطنين معا حول أهداف مشتركة، تحافظ على الثقافة الوطنية، وتغرس فيهم ثقافة الانتماء والتضامن، وقبول الآخر.
بالتأكيد الثقافة التى تبثها الحضانات السلفية تتسم بقدر من الانغلاق، لا نحتاج كثيرا إلى وقت لتتبع ذلك، لأن الآراء التى يطرحونها فى الحياة العامة تعبر فى عن فقه مغاير لما هو سائد فى مصر، وتقدم نماذج من التشدد فى السلوك والنظرة إلى الآخر، والتفاعل مع المختلفين. وتظل المشكلة أن البديل دائما غير موجود بدرجة كافية، وتحتل مؤسسات التنشئة الاجتماعية الدينية دورا كبيرا، والحاجة تظل إلى المؤسسات الوطنية التى تضم الجميع دون اختلاف، تاركين الدين إلى المجال الخاص، وثقافة المواطنة فى المجال العام.