ليلة حظ - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليلة حظ

نشر فى : الجمعة 9 نوفمبر 2018 - 11:55 م | آخر تحديث : الجمعة 9 نوفمبر 2018 - 11:55 م

أخيرا استطعت أن أفهم اللغز على طريقتى، فترى أين، ولماذا اختفت عشرات أفلام الأربعينيات وتاهت فى أماكن مجهولة، وبدأت أخيرا فى الخروج من المجهول.
تفسيرى يأتى أننى فى عام 1959 كنت قد بلغت سن العاشرة وبدأ هوسى الدائم بالسينما، أجوب دور العرض لمشاهدة الأفلام القديمة والجديدة وخاصة أفلام العرض المستمر التى كانت تعرضها صالات مثل ركس، وريتس، فى الإسكندرية طوال أيام وليالى رمضان وكان أغلبها من أفلام الخمسينيات، رغم أن الأربعينيات لم تكن بعيدة بأفلامها، وعندما صرنا كبارا وأتيحت هذه الأفلام للعرض، اندهشنا: هل هناك أفلام مصرية بهذا الاسم وأين ضاعت؟ لم تكن هناك إجابات محددة، وأعتقد أننى فهمت الأمور بأسلوبى المحدود، ففى البداية تم حذف المشاهد السينمائية والاستعراضات والأغنيات التى كانت تمجد الملك فاروق، وأسرة محمد على باشا، أو يتم كشط صور الملك المعلقة فوق الجدران، ثم فهمنا أنه كانت هناك خطة لم يعرف تفاصيلها أحد للتأكيد أن مصر الحديثة بدأت مع الضباط الأحرار خاصة موقف الحاكم من الجيش، أو الملكية أو العمل، أو البناء، ولهذا السبب لم نعرف الكثير من الأفلام التى تحدثت عن القومية العربية، والتى مجدتها السينما فى الكثير من الأفلام، ومنها «فتاة من فلسطين» و«الإيمان» بالإضافة إلى حذف أوبريت «مواكب العز» من استعراضات فيلم «غرام وانتقام» إخراج يوسف وهبى 1944، وقد اتضحت الرؤية الآن بعد مشاهدة فيلم قديم أراه للمرة الأولى باسم «ليلة حظ» إخراج عبدالفتاح حسن.

لاشك أن وجود استعراض غنائى راقص ضخم فى نهاية الفيلم يعنى الكثير بالنسبة للمشاهد، فهذه هى المرة الأولى التى يتم فيها الغناء للوحدة العربية، ويقوم العارضون بارتداء أعلام الدول العربية البارزة فى تلك الآونة خاصة مصر ولبنان، كانت السودان فى تلك الفترة جزءا من الوطن الأكبر مصر، وكانت سوريا ولبنان قطعة واحدة، وقد بدت المطربة رجاء عبده فى أبهى حالاتها وهى تغنى وترتدى ملابس البنت العربية، كما أن تحية كاريوكا لمعت من خلال رداء حرير فخم مطبوع عليه الهلال البارز فى العلم المصرى، وهى تتألق فى الرقص والغناء.

الدهشة أننا لم نسمع أن هناك نداء خاصا بالوحدة العربية إلا بعد ثورة يوليو، ومن الواضح أن الحكومات التى جاءت بعدها وجدت تناقضا كبيرا أن الثوار هم الذين أيقظوا الوحدة العربية، وعملوا عليها، رغم انفصال السودان عن مصر، كما أن فيلم «فلبى وسيفى» أكد أن وطنية الجيش أمر قديم للغاية.

فيلم «ليلة حظ» من بطولة مجموعة كبيرة من نجوم السينما فى تلك الفترة، كتبه بديع خيرى، ومن الأبطال أنور وجدى رجاء عبده، وتحية كاريوكا، والنجم المحبوب بشارة واكيم، ومنسى فهمى، وهو فيلم استعراضى فى المقام الأول ينظر إلى الاستعراضات على أن مكانها الصالات المجهزة للبهجة، وليس الحانات التى يرتادها السكارى، وبطل الفيلم هو صاحب فرقة، ومخرج يبحث عن صالة مناسبة لتقديم الاستعراضات الراقية، وهو يواجه المتاعب المتتالية للعثور على الصالة الأنسب، أو بالتوفيق بين الراقصة الأساسية، والمطربة ابنة الباشا المتحفظ، حتى ينتهى الفيلم بالتصالح بين الجميع، فليست هناك المشكلات التقليدية سوى أن الراقصة ترفض محاولات صاحب صالة لفردوس لاستمالتها، ومن أجلها يترك الجميع المكان.

الفيلم ملىء بالاستعراضات والأغنيات التى نساها الناس، وتبدو جديدة على الأسماع، ولا شك أن مشاهده تغير الكثير من المفاهيم التاريخية التى تم تلقينها للأجيال، ومن هنا فإننا نحرص على رؤية الأفلام بأعين مختلفة تماما.

التعليقات