لن يكون الشرق الأوسط الذى سيتركه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلفه بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، هو نفس الشرق الأوسط الذى يخطط الرئيس الجديد جو بايدن لإجراء تغييرات ضخمة عليه عقب استلامه السلطة رسميا فى 20 يناير المقبل.
كل تصريحات بايدن خلال حملته الانتخابية ومناظراته الرئاسية، تكاد تؤكد أن هناك تغييرات استراتيجية كبيرة سوف تشهدها سياسات الولايات المتحدة فى المنطقة، سواء ما يتعلق بمصر أو إيران أو السعودية أو إسرائيل، أو بالتحالفات الإقليمية التى تم بناؤها فى السنوات الأربع الماضية، وأسفرت عن تشكيل موازين قوى جديدة، حيث تراجع نفوذ عواصم عربية كان لها اليد الطولى فى رسم سياسات المنطقة لصالح عواصم أخرى لها أجندات جديدة تثير الكثير من الجدل والالتباس حولها.
صحيح أن هناك مسافة لا يمكن تجاهلها بين تصريحات بايدن المرشح للرئاسه وسياساته كرئيس فعلى لأمريكا، لكن المؤكد مثلا أن ملفات حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية التى وضعت على الرف فى فترة ترامب ستحتل مكانة أساسية فى سياساته بالمنطقة، وستضغط إدارته على السلطات المعنية فى الإقليم لتحسين الأوضاع فى هذا الملف الساخن، بل وربما سيفرض عقوبات على هذه العاصمة العربية أو تلك إذا لم تتجاوب بالقدر المناسب مع مطالبه.
بايدن سينهى أيضا حالة العداء التى اتبعها سلفه مع إيران، بل ربما يعيد للحياة الاتفاق النووى الذى أبرمه أوباما مع قادة طهران وألغاه ترامب، وهو ما يتيح للنظام الإيرانى الفرصة لمواجهة الأزمات الاقتصادية الطاحنة التى تهدد استقراره.
محمد بن سلمان ولى العهد السعودى والرجل القوى الآن فى المملكة اغلب الظن انه لن يخلف أبيه على العرش، حربه فى اليمن ستضع أوزارها، وعدائه لإيران وحلفائها فى سوريا، أولبنان وعلى رأسهم بالطبع حزب الله، أوالحوثيين فى اليمن سيخف كثيرا حتى لا يتصادم مع واشنطن التى قد تعيد إحياء ملف مقتل جمال خاشقجى، وهامش المناورات التى قد يلجأ إليه سواء بتحسين علاقاته مع الصين أو روسيا لا يضمن له تحقيق حلمه الملكى وطموحاته فى السلطة.
إسرائيل تحت حكم اليمين ستضطر إلى تأجيل خططها الرامية لطرد ما تبقى من الفلسطينيين من أرضهم لإقامة دولة اليهود القومية، ستتراجع خططها الشيطانية بالاستيلاء على أراضى الضفة بالمستوطنات، وسيجبرها بايدن على التعاطى مع حل الدولتين الذى يؤمن به، وهو ما سيعطى السلطة الفلسطينية «شيئا ما» يتفاوضون عليه مع إسرائيل، والفرصة لاستئناف مساعدات الوكالات والجهات التابعة للأمم المتحدة للشعب الفلسطينى التى تمولها واشنطن، ومنعها ترامب عنهم.
لكن فى كل الأحوال لن تكون علاقات بايدن مع مصر على نفس درجة الدراماتيكية التى سيتبعها مع الأطراف الأخرى، لن يطالب القاهرة بأية تغييرات تذكر سوى فى ملفات الحريات العامة وحقوق الإنسان، وهى قضايا ممكن التوصل لحلول لها مالم تحدث مفاجآت غير متوقعة فى مواقف هذا الطرف أو ذاك!
بايدن ــ من تصريحاته ــ مقتنع بأنه يخوض معركة مقدسة لترميم صورة أمريكا التى ابتذلها ترامب بشعبويته وحماقاته بين دول العالم، بنفس قدر اهتمامه باستعادة ما اسماه «الروح الأمريكية» التى أفسدها سلفه داخل بلاده، وهى الرسالة التى يجب أن تفهمها بوضوح الأطراف المعنية فى منطقتنا، إذا أرادت الاستمرار فى علاقاتها الدافئة مع واشنطن!