هل تحسنت البورصة المصرية؟! - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 4:55 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تحسنت البورصة المصرية؟!

نشر فى : الإثنين 10 يناير 2022 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 10 يناير 2022 - 9:55 م

الإجابة المباشرة عن السؤال الذى يطرحه عنوان المقال هى لا، لكن السبب الذى يدفعنا إلى تأكيد ما هو مؤكد وتكرار ما هو مكرر ومقرر ينبع من الدعاية التى امتلأت بها بيانات صحفية صادرة أخيرا عن إدارة البورصة تخبرنا بالعكس! البيانات تغص بالعديد من المؤشرات التى تم استنطاقها قسرا بالتحسن السنوى فى أداء البورصة المصرية، على الرغم من كونها لا تعكس ذلك ولا ينبغى لها، إن كنا نسعى بالفعل لا بالقول إلى الخروج من عنق الزجاجة الطويل الذى استمر معنا منذ عام ٢٠١١.

بداية نقدر الجهود التى تبذلها إدارة البورصة الحالية للتعاطى مع أزمات مختلفة بعضها فرض عليها فرضا، لكن ذلك لا يعنى أن نغفل الخطوة الأهم فى علاج الأزمات والتى تستلزم الاعتراف بالأزمة، تمهيدا لتشخيصها بعناية وعدم التخفى خلف ستائر الإنكار. ولأننى كنت مسئولا عن إدارة المؤشرات وإدارة المخاطر والرقابة على التداول بالبورصة المصرية لعدة سنوات، فإنه يسيئنى أن أقرأ بيانا ظاهره الجودة وباطنه من قبله التراجع الشديد.
وبدون الخوض فى تفاصيل البيان الصادر فى أعقاب لقاء السيد رئيس الوزراء بالسيد رئيس البورصة، علينا أن نفهم بعض الأسس والمعايير التى يتعين أن نضبط بها الأرقام قبل إصدارها. مثلا لابد من استيعاب أثر الأساس base effect قبل الإعلان عن زيادة قيمة أو حجم تداول الأوراق المالية بنسبة ما مقارنة بالسنة الماضية. فإذا علمنا أن السنة الماضية سنة ذروة انتشار جائحة عالمية، وإغلاق وتراجع كبيرين فى حجم النشاط الاقتصادى، فإن المقارنة بها لا تستقيم؛ ذلك لأن أى تحسن فى الأداء المقارن بها قد يكون محض ارتداد إلى المعدلات الطبيعية قبل الأزمة، والتى بدورها لم تكن معدلات مقبولة.
من ناحية أخرى لابد من تعديل بعض البيانات الاسمية إلى قيمها الحقيقية للتخلص من أثر التضخم، ويفضل قراءة قيمة التعاملات بالدولار الأمريكى، لتحييد أثر التغير فى سعر الصرف خاصة إذا تضمنت البيانات المعلنة مقارنة بين الأداء قبل وبعد العام ٢٠١٦ وهو العام الذى شهد ــ قبل نهايته ــ تحرير سعر صرف الجنيه المصرى.
•••
رأس المال السوقى للشركات المقيدة فى البورصة (الذى هو مجموع القيم السوقية للأسهم المقيدة) يمكن أن يرتفع لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بتضخم أسعار بعض الأسهم صاحبة الوزن الأكبر فى السوق أو بمعدلات التضخم السنوية لأسعار الأصول المالية. ويمكن أن يرتفع رأس المال السوقى نتيجة نشاط فعلى وزيادة فى الطلب على الأوراق المالية المقيدة، لكن الفيصل فى ذلك ليس القيمة المطلقة الخالية من أى مدلول، بل بنسبة هذا البيان إلى بيان آخر معبر عن نشاط الاقتصاد مثل الناتج المحلى الإجمالى للدولة. وتشير نسبة رأس المال السوقى للأسهم المقيدة فى البورصة المصرية إلى الناتج المحلى الإجمالى للدولة إلى تراجع منتظم فى أهمية البورصة كمرآة مفترضة للنشاط الاقتصادى، فقد تراجعت تلك النسبة من نحو ١٠٤٪ عشية الأزمة العالمية عام ٢٠٠٨ إلى ما دون ١٠٪ حاليا! وهو تراجع مخيف، يفصل البورصة تماما عن حركة الاقتصاد القومى، ويعبر عن تراجع أهميتها النسبية محليا وعالميا، ذلك التراجع الذى عبرت عنه التقارير الدولية الصادرة أخيرا عن أداء البورصة المصرية، والتى منها ما صنف بورصتنا ضمن الأسواق الثانوية الأسوأ أداء فى العالم.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن الإفصاح عن زيادة أعداد المتعاملين المقيدين (أصحاب الأكواد) خلال العام، لا يصح أن يتم بمعزل عن بيان عدد الأكواد «النشطة» بالمقارنة بسنة عادية، أو بمتوسط الأكواد «النشطة» خلال فترة زمنية معبرة.
المؤكد أن المؤشرات كلها قبل عام ٢٠١١ كانت أفضل من العام الحالى، بل ومن أعوام ما قبل الجائحة وبعد التعويم، خاصة إذا تم تحييد أثر سعر الصرف، والاعتماد على الدولار الأمريكى كمقياس أكثر استقرارا وأقل تضخما للقيمة... كل البيانات والمؤشرات بلا استثناء، بما فى ذلك معدل دوران الأسهم، وعدد العمليات، وتنوع القطاعات، والعائد على المؤشرات.
مما سبق يتضح أنه قد ضاع على بورصتنا فرصة رائعة للاستفادة من تراجع قيمة العملة المحلية بنسبة كبيرة، كنتيجة مباشرة لتحرير سعر الصرف بعد تثبيت طويل. كان من المنطقى أن تصبح أسعار الأسهم والسندات المصرية أرخص كثيرا بالنسبة للمستثمر الأجنبى، فتقفز (ولا نقول ترتفع) الاستثمارات الأجنبية محققة طفرات سوقية ملحوظة، خاصة بعدما أصبحت آلية التخارج أيسر مع توافر العملة الصعبة، وعدم فرض قيود على تحويل الأرباح إلى الخارج.
كما أن برنامج الطروحات الحكومية ظل الحلقة الأضعف فى سلسلة الإصلاحات النقدية والاقتصادية التى أطلقتها الدولة منذ العام ٢٠١٤ وبلورتها فى برنامج إصلاح وطنى أطلقته فى نهاية العام ٢٠١٦. وقد أطل ذلك الضعف بوجه سافر على تقارير متابعة الأداء الصادرة عن مؤسسات التمويل الدولية طوال سنوات.
•••
البورصة قبل العام ٢٠١١ كانت أكثر مرونة واستيعابا لآليات عمل السوق. كانت بورصة مصر أكثر قدرة على التعافى والتصدى للصدمات. كانت تطور الآليات، وتستحدث الأدوات والمؤشرات بعد دراسة متأنية، ودون إفراط فى إضافة وتعديل القيود والقواعد المنظمة. لم تكن غرامات مخالفات التداول والإفصاح كنسبة من حجم التعاملات تزيد عن المتوسط العالمى المقبول، قبل أن تحقق هيئة الرقابة المالية (غير الهادفة للربح) فوائض من الرسوم ومقابل الخدمات والمخالفات... بلغ المتاح منها للتبرع لجهة واحدة فقط نصف مليار جنيه!!
كانت بورصتنا تستعين بلجنة استشارية دولية مشكلة من رؤساء بورصات أمريكية وأوروبية كبرى، وكبار التنفيذيين فى بنوك استثمار عالمية، وخبراء من جميع المجالات، حتى جاءت إدارة البورصة ما بعد عام 2011 وفضت تلك اللجنة! كانت بورصة مصر على مشارف إنشاء منصة متطورة لتداول العقود والمشتقات بالشراكة مع إحدى البورصات الأوروبية أو الآسيوية، بعدما نجحت فى شراء وتثبيت واحد من أفضل نظم التداول فى العالم، فى خطوة هامة لإعادة الفوائض المحققة من إيراد مقابل الخدمات والغرامات إلى السوق.
كانت بورصتنا فى سباق محموم مع بورصة جوهانسبرج على زعامة البورصات الناشئة فى أفريقيا. وكان العائد على الاستثمار فى المؤشر الرئيس EGX30 ومن قبله CASE30 يضعنا كأفضل أداء بين بورصات العالم فى بعض سنوات ما قبل ٢٠١١. كانت بورصتنا تستحضر تاريخ بورصة الاسكندرية التى صنفت حتى مطلع خمسينيات القرن الماضى ضمن البورصات الخمس الأفضل فى العالم. كان إلغاء العمليات وإيقاف الأوراق المالية وإيقاف الأكواد يتم فى أضيق الحدود، ووفق ضوابط تحد كثيرا من التدخل البشرى وما يتضمنه ذلك من مخاطر التحيز والشخصنة والانتقام.
كنت أتوقع أن تقدم إدارة البورصة تقريرا يفيد تراجع الأداء مقارنة بالعقد الماضى، فى ظاهرة خطيرة وكاشفة عن مواطن الضعف وأسباب التردى. كنت أتوقع أن تطالب البورصة باسترداد دورها كرقيب الصف الأول، وبتراجع تدخل الهيئة الرقابية فى نشاط التداول اليومى إلى ما تعارفت عليه جميع تشريعات ونظم الرقابة فى العالم! كنت أتوقع أن تكشف البورصة عن سوء الأداء العام، وسهولة التحكم فى مؤشرات السوق بمحفظة متواضعة من النقود، نتيجة سيادة تعاملات الأفراد وتراجع دور المؤسسات والأجانب فى ضبط إيقاع السوق وترشيد اتجاهات العرض والطلب، وجفاف السيولة، وهروب الاستثمارات الجادة، وندرة البضاعة، وبلوغ بعض الأوراق المالية قيما مليمية!! كنت أتوقع أن تتبرأ إدارة البورصة من أوصاف نسبت اليها فى تسريبات منسوبة للرقيب، ومن تسميتها «بورصة فلان» فى إشارة إلى أحد المتعاملين ممن يشاع تحكمه فى اتجاهات المؤشرات السعرية... كنت أتوقع تقريرا يوضح الفرص الضائعة، ومزايا العودة إلى منظومة التداول والرقابة والإدارة التى كانت سائدة قبل عام ٢٠١١..

كاتب ومحلل اقتصادى

 

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات