حفلت مواقع التواصل الاجتماعى بالعديد من التهانى التى أرسلها مسلمون إلى مسيحيين بمناسبة عيد الميلاد، وهى ظاهرة مبهجة، تحولت إلى عادة، وكلما أمعن أصحاب الآراء المتطرفة فى حض المسلمين على عدم تهنئة المسيحيين فى الأعياد، زادت قطاعات عريضة من المجتمع من منسوب التعبير عن مشاعرها الفياضة تجاه شركائهم فى المواطنة.
ولكن فى محافظة المنيا، وبالتحديد فى قرية أشروبة ظهر مشهد طائفى، يمثل استمرارا لنموذج الحادث الطائفى الذى نعرفه على مدار عقود، وتراجع كثيرا فى السنوات الأخيرة. حسب ما نُشر فى المواقع الالكترونية فإن مسلما يقود توكتوك اصطدم بسيارة يقودها مسيحى، ترتب على ذلك مشاحنة، اتسع نطاقها، وتسببت فى الاعتداء على بعض المسيحيين، واستهداف ممتلكاتهم. وتدخلت قوات الأمن، وتعاملت مع الحادث. الواضح أن ما حدث شأن كان يتكرر فى شوارع المحروسة كثيرا، نتيجة فوضى التوكتوك، وعدم احترامه لأى قواعد مرور أو تنظيم فى الشوارع. ولكن ارتداء الحادث فى قرية أشروبة، وهى قرية كبيرة فى مركز بنى مزار، رداء طائفيا يطرح سؤالا مهما ينبغى التوقف أمامه: لماذا أثناء تعبير الناس، مسلمين ومسيحيين، عن مشاعر الابتهاج، يأتى من يحاول أن يخلق مشهدا طائفيا موازيا؟ الإجابة ليست فى التوكتوك، ولا فى السيارة، ولكن فى مناخ الشحن والتحريض الطائفى المستمر منذ عقود، والذى ينتظر حادثا عاديا حتى ينضح بحمم التعصب والكراهية، وهو ما يمثل تخريبا منظما لسياسات الدولة المصرية التى تهتم بإعلاء قيمة المواطنة، خطابا وممارسة، على نحو أفضل من مراحل تاريخية سابقة.
بالطبع تتعدد مصادر الشحن الطائفى. هناك تيارات متطرفة تمارس ذلك ليل نهار، وتحض على كراهية المختلف فى المعتقد الدينى، والابتعاد عنه، وعدم المشاركة فى أى مناسبة تخصه. وهناك مواقع الكترونية تقوم على السجال الدينى، والحديث الدائم عن أفضلية دين مقارنة بدين آخر مما يخلق مناخا من الكراهية والنفور بين المصريين مسلمين ومسيحيين، وإذا كانت هناك مواقع إسلامية تمارس ذلك، فإن هناك أيضا مسيحيين يستهويهم نفس الأمر. وتظل الإشكالية الكبرى هى غياب أدوات التحديث عن المجتمعات الريفية والحضرية التى تشهد أزمات اقتصادية واجتماعية مستمرة، مثل المسرح، والسينما، والكتاب، والندوات الثقافية، وغيرها، وأظن، أن هناك محافظات فى الصعيد لا توجد بها مسارح ولا دور سينما، ولا تعرف حفلات موسيقية، مثلما كان الأمر منذ عقود، وهى حال تجريف واضحة لعبت التيارات المتطرفة دورا أساسيا فيها على مدار عقود، واستجابت لها الهيئات والمؤسسات فى مصر، إما خوفا وإما نفاقا.
ولا أستطيع ان أنكر أن التحريض السياسى ضد الدولة المصرية، بات يتخذ شكلا طائفيا بغيضا. فقد أطلقت القنوات الفضائية التى تبث من الخارج خطابات طائفية قبل وأثناء الاحتفال بعيد الميلاد الأخير، بعضها يطعن فى العقيدة المسيحية، وبلغ بها الأمر اتهام شيخ الأزهر ذاته بالخروج عن الإسلام نظرا لتقديم التهنئة للمسيحيين، وبعضها اكتفى بالتحريض ضد الدولة بوصفها ممالأة للأقباط على حساب المسلمين.
الإجابة دائما فى التحريض الطائفى الذى يمثل شحنا مركزة من التطرف تضخ باستمرار جنبات المجتمع، وتنتظر لحظة تعبر فيها عن مكنون الكراهية بداخلها. هنا تكمن المسئولية فى التصدى لهذا المناخ إعلاما وتعليميا وثقافة.