بأدائها المهنى العاجز عن تأمين مباراة الزمالك وإنبى، وعنفها غير المبرر الذى أدى لسقوط 22 قتيلا وعشرات المصابين، قدمت وزارة الداخلية هدية مجانية لجماعة الإخوان الإرهابية ولكل من يناصرها، لكى يطعنوا فى ثورة يونيو، ويكيلوا لها الاتهامات بأنها معادية لكل شعارات ثورة يناير ولكل المطالب التى رفعتها، وليخصموا أيضا من رصيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الجماهيرى، ومن التفاف الناس حوله!
وحتى لو سلمنا جدلا بالرواية الهزلية الساذجة التى يروج لها المدافعون عن الداخلية، بأن الألتراس ــ باعتبارهم شوية بلطجية ــ كانوا ينفذون مخططا إخوانيا لاقتحام ستاد الدفاع الجوى، وأنهم أطلقوا الشماريخ على الشرطة وأحرقوا سيارتين لها، فإن هذا ليس مبررا أبدا لمقتل هؤلاء الشباب حتى لو كانوا إخوانا إرهابيين، لأن تهمتهم الوحيدة الثابتة عليهم فى هذه الواقعة هى محاولتهم دخول الاستاد بلطجة وبدون تذاكر، حيث لم يثبت حملهم أى أسلحة سوى الشماريخ التى يطلقونها أثناء المباريات، والأهم من كل ذلك أن هناك تسلسل حدده القانون بدقة لتفريق التجمعات تبدأ باطلاق مدافع المياه وتنتهى بإطلاقى قنابل الغاز وصولا للرصاص الحى، وهو ما لم تفعله الشرطة أبدا فى هذه الاحداث الدامية.
وحتى لو كانت جماعة الألتراس تلجأ للعنف فى مواجهاتها مع الأمن، فإن ما حدث فى استاد الدفاع الجوى يكشف بوضوح أن الشرطة أهدرت كل قيم القانون، المفترض أنها تلتزم به وتسهر على تطبيقه، ولجأت إلى أساليب تقترب من حدود البربرية فى تأمين المباراة، بدءا من إدخال الجماهير للاستاد عبر ممرات بأسلاك شائكة لا تصلح إلا للحيوانات المفترسة داخل عروض السيرك، نهاية باللجوء لعنف دموى فى التعامل معهم، دون أن يفكر أحد من لواءات الداخلية أمام الاستاد فى الحل المنطقى الوحيد لمعالجة هذه الأزمة الأمنية البسيطة، والذى يتمثل فى إلغاء المباراة، وطلب إمدادات إضافية من قوات الأمن، والقبض على مثيرى الشغب من الألتراس، وتحويلهم للنيابة ثم المحاكم لتصدر عقوباتها عليهم حتى لو بالسجن عدة سنوات!
منذ أسبوعين فقط، أهدرت الداخلية القانون خلال فضها مسيرة حزب التحالف الشعبى، التى استشهدت فيها القيادية بالحزب شيماء الصباغ، بلجوئها للعنف غير المبرر وغير المتكافئ مع عدد وعمر المشاركين فيها، وكأن الداخلية تؤكد لنا أن أرواح المصريين عندها بلا ثمن، وأن دماءهم رخيصة لا تساوى ثمن قنبلة غاز أو رصاصة خرطوش يطلقها ضابط وكأنه مريض نفسى مهووس بالقتل وإراقة الدماء، وكأن هذه الممارسات المنهجية هى فلسفة الوزارة التى تتبعها فى أدائها لعملها الذى أصبح يثير الفزع، رغم أنه من المفترض أن يحفظ الأمن ويصون كرامة المواطنين وحرياتهم..!
لا يكفى قبول استقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم أو حتى إقالته، رغم أن المتحدث باسم الوزارة نفاها تماما، فالداخلية تحتاج لعملية تطهير واسعة من كل هذه العناصر التى لا تحترم القانون، والتى أثبتت عبر عشرات السنوات عجزا مهنيا فادحا وفاضحا، يبدو أنه ينبع من خلل كبير فى المناهج وأساليب التدريس داخل كلية الشرطة، والتى تخرج لنا ضباطا يرون أنهم فوق القانون وفوق المواطنين..وهو وضع لم يعد من الممكن قبوله والرضوخ له بعد الآن، وإلا فإن الفوضى ستكون هى البوابة الوحيدة المفتوحة أمامنا!