باستعراض سريع لخريطة الشرق الأوسط السياسية، تبدو المنطقة مرشحة بقوة لحروب استراتيجية وعسكرية طاحنة، قد تسقط فيها أنظمة جديدة، وتتهاوى خلالها عروش، وتتبدل فيها الحدود الجغرافية بين دولها، وكأن موعد الإقليم مع الفصل الثانى من نظرية «الفوضى الخلاقة» قد حان أوانه، بعد أن انتهى فصلها الأول بخروج ثورات الربيع العربى عن السيطرة الأمريكية خاصة بعد سقوط الإخوان المسلمين فى مصر، بالتوازى مع فشل هذه الثورات الذريع فى تحقيق شعاراتها الكبيرة التى رفعتها عقب اندلاعها منذ 4 سنوات كاملة.
خلال الأسابيع الماضية شهد الحلف المصرى – السعودى الخليجى تصدعا كبيرا برحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو التصدع الذى ظهر جليا فى تغيير السياسة السعودية من مواقفها المعادية لتنظيم الإخوان المسلمين، وفى اعادة الدفء لعلاقاتها مع قطر وتركيا اللتين لا تحملان أى ود مع النظام المصرى، إلى الدعوة لدمج الإخوان فى الحياة السياسية المصرية، وهو ما وجه ضربة قاضية للاستراتيجة المصرية فى المنطقة، وقلل من توقعاتها بتدفقات مالية خليجية تواجه بها مشاكلها الاقتصادية المتأزمة.
وطبقا لكتابات سعودية وخليجية قريبة من دوائر السلطة هناك، فإن القيادة السعودية الجديدة، أصبحت تراهن على محور خليجى ــ تركى، لمواجهة المد الإيرانى الشيعى الذى يسيطر الآن على 4 دول عربية بقدر أو بآخر، فى العراق وسوريا ولبنان وأخيرا اليمن بعد هيمنة الحوثيين ــ قريبى الصلة من إيران ــ على العاصمة صنعاء وعلى باب المندب الذى يعتبر البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومى السعودى بشكل خاص والخليجى بشكل عام.
وما يزيد من مخاوف الخليج من تصاعد النفوذ الإيرانى فى المنطقة، قرب حل الخلاف النووى بين طهران وواشنطن، وتوقيع اتفاق بينهما يتم بمقتضاه رفع العقوبات الغربية على إيران، وهو ما قد يفسر سبب اتجاه الرياض نحو تركيا التى تمتلك بالفعل أوراق ضغط على واشنطن أكثر مما تمتلكها مصر المأزومة سياسيا واقتصاديا ولا تملك – ولو حتى نظريا – ترف خوض حروب كبيرة خارج حدودها.
ومن الواضح ان انعكاس هذه التغييرات الاستراتيجية السعودية سيكون لها انعكاس مباشر على مصر، التى تتعرض لضغوط أمريكية لدمج الإخوان فى الحياة السياسية لمواجهة التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها «داعش»، وهو ما تطالب به القيادة السعودية الجديدة أيضا لأسباب مختلفة، أهمها توحيد المعسكر السنى ضد النفوذ الشيعى المتنامى فى المنطقة.
بالتوازى مع كل هذا، تبدو شهية تركيا مفتوحة لإعادة بعث مجدها العثمانى القديم، فى حين تواصل إسرائيل مسلسل التهويد للأراضى الفلسطينية، والتغاضى عن تحركات القوى الدينية المتطرفة لديها لإعادة بناء هيكل سليمان الذى تقول انه يقع أسفل المسجد الأقصى مباشرة، مع الاستمرار فى فرض الحصار على المقاومة الفلسطينية، بانتظار سقوط النظام السورى الذى تعتبره آخر المعاقل العربية المعادية لها، بتسليحه لحزب الله ولبعض الفصائل الفلسطينية، وتحالفه التاريخى مع النظام الإيرانى بطموحه النووى الغامض.
فى ظل هذه الأخطار التى تلاحق الإقليم، قد يرى الكثيرون أن فرص مصر محدودة للمناورة خاصة وأن حكم ثورة يونيو الذى قام على انقاض الإخوان، لا يستطيع المصالحة معهم، وهو ما قد يعرض مصر لمواجهات صعبة مع واشنطن، ومع ذلك فإن القاهرة تمتلك أوراق استراتيجة مهمة، منها الانفتاح على روسيا وعلى إيران، وإقامة نظام ديمقراطى حقيقى، يقدم نموذجا تنمويا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ناجحا، يخلص الإقليم من المفاهيم البالية حول الصراع السنى ــ الشيعى، ويضع حدا لأفكار التنظيمات المتطرفة!
مصر الآن تقف أمام مفترق طرق، وتواجه خيارات مصيرية، وعليها التحرك السريع بتقديم النموذج الديمقراطى للحكم، الذى أصبح البديل الوحيد لتجنيب المنطقة بكاملها زلازل وبراكين لن ينجو منها أحد!