يقتل الكيان الصهيونى سبعة من متطوّعى المطبخ الدولى الخيرى فتقوم دنيا الغرب ولا تقعد، وهذا ما يجب أن يتم، استنكارا لحدوث تلك الجريمة البشعة.
ولكن يقتل هذا الكيان يوميا عبر ستة أشهر عشرات الأطفال ومئات النساء والشباب من الشعب الفلسطينى، موتا تحت أنقاض الدمار العمرانى الهائل الهمجى أو جوعا أو مرضا بسبب شحّ الأدوية المسموح بدخولها أو بسبب التدمير الممنهج لمؤسسات الرعاية الصحية فى غزّة، فلا يسمع الإنسان إلا مناشدات غربية باهته متلعثمة تناشد الكيان الصهيونى بأن يأخذ احتياطات أكبر لحماية المدنيين.
كان رد سلطات تل أبيب حاسما. ففى الحال قدمت أشد الاعتذار والأسف وكونت لجنة تحقيق وحاسبت واحدا من عساكرها الكبار كأول خطوة، بينما لم تعبأ بالقيام بخطوات مماثلة طيلة ستة أشهر من القتل والإبادة ومن ارتكاب أفظع المجازر فى غزّة وسائر أرض فلسطين.
والسبب فى تباين الموقفين الصهيونيين واضح: فوراء السبعة المتطوعين تقف أمم تحترم نفسها وحكومات تعرف أن هناك رأيا عاما سيحاسبها إن هى أظهرت اللامبالاة أو الضعف حتى تجاه الاعتداء على فرد واحد من مواطنيها.
هذا بينما تعرف سلطات تل أبيب جيدا أن الصورة ستكون مختلفة عند سلطات غالبية الساحات العربية التى لن يحاسبها رأى عام مشتت ومسيطر عليه، وستكون ردة الفعل من قبل الأمة ضعيفة بعد أن أصبحت عبر تاريخ طويل من الاستبداد غير قادرة على ممارسة قيم الإباء والشّمم واحترام الذات.
لسنا هنا مطالبين أن نكون من الذين يمارسون جلد الذات أمام المآسى المخزية، ولا من الذين يدفنون رءوسهم فى الرمال كما تفعل النعامة هربا من تحمل مسئولية المواجهة.
نحن فقط نصرخ هنا بصوت عال ممتلئ بالحسرة والألم بأنه ما عاد من الممكن، تحت أى من المبرّرات والضحك على الذّقن، قبول سكون اللامبالاة الذى تعيشه هذه الأمة مؤخرا والذى أصبح مليئا بالظلمة الأخلاقية والعجز المخجل وكل أنواع أصوات قهقهة كل العالم عندما يسمع كلمة إنسان عربى أو بلد عربى أو حتى إنجاز واحد عربى.
لنقارن تلك القهقهات من السخرية والشعور بالشفقة بما كنا نسمعه فى العالم كله من احترام وإعجاب لكل ما هو عربى ولكل عربى إبان المد القومى الكبير الشجاع المبدع فى الخمسينات من القرن الماضى. وفى هذا الحال المخزى المخجل المثير للشفقة: متى ستتطهّر النفوس والضمائر، وتشتد العزائم، وتقوى الإرادات السياسية، ويتحمل الذين يتربعون على كراسى القيادة مسئولياتهم التاريخية الصادقة، ويلبسون لباس الشجاعة البطولية، ويضعون أيديهم فى أيادى البعض، ويواجهون الموقف كإخوة فى العروبة والدين والمصير المشترك؟ نحن نقترح على أقطار مجلس التعاون الخليجي، الذين أنعم الله عليهم بالرزق وآمنهم من جوع، وحماهم حتى الآن من جحافل البرابرة وجنون الإرهاب الممنهج، أن يتباحثوا فى الأمر ويتقدّموا بمقترح مشترك إن أمكن، أو بمقترح من مجموعة منهم إن استدعت ذلك الضرورة، لإخوتهم فى الجامعة العربية لتكوين لجنة من قبل مؤسسة الجامعة العربية أو من قبل أحد لجانها الرسمية، يتمثل فيها مفكر أو محلل سياسى أو خبير سياسى واحد أو أكثر من كل قطر عربى لوضع تصور استراتيجى يقدم لاجتماع قمة عربية طارئ تبحث فيه فقط تلك الاستراتيجية ومسيرة تنفيذها.
لا يمكن هنا الدخول فى أية تفاصيل، فهى كثيرة ومتشابكة، ولكن قابلة للفعل إن حسنت الإرادات وتوقف العبث الحالى. وإذا ما أقرت تلك الاستراتيجية نعتقد بضرورة الانتقال بعد ذلك لإشراك منظمة التعاون الإسلامى من أجل تكوين جبهة عربية ــ إسلامية مماثلة لجبهة عدم الإنحياز فى الخمسينات من القرن الماضى وذلك من أجل أن تلعب دوراً فى خروج العالم كله من وضع هيمنة وسيطرة هذه الدولة الكبرى أو تلك الكتلة الاستعمارية الجشعة ومن أجل التعاون مع الكتل العالمية الجديدة الراغبة فى خلق عالم جديد بقيم وعلاقات إنسانية تبادلية جديدة.
ليس المهم أن يناقش هذا التصور أو يؤخذ به، ولكن المهم أن تناقش سبل الخروج من هذا الوضع العربى البائس ومن هذا الوضع الدولى الخطر المتلاعب به من قوى الشر والجشع وقلة الإحساس بحق الأناس الآخرين فى العيش الكريم والكرامة الإنسانية.
لن يغفر التاريخ لمؤسسات وقادة وشعوب هذه الأمة إن لم يتوقفوا عن لعب دور التفرج المشين الذى يمارسونه الآن. وأى عيد فطر يمكن أن نحتفل به ونحن فى هذه الحالة التى سمحنا لخير أمة أن تواجهها.