طبقًا للأرقام الرسمية، لم يشارك سوى 29,3 % من جموع الناخبين المصريين فى انتخاب نواب البرلمان الحالي، وهو ما يعنى أن أكثر من ثلثى هؤلاء الناخبين، أحجموا لأسباب عديدة عن المشاركة فى انتخاباته، منها بالتأكيد عدم اقتناعهم بأنه سيكون معبرا عنهم وعن مصالحهم، وهو ما تجاهله تماما رئيس المجلس الدكتور علي عبدالعال خلال إدارته للجلسات بدلًا من أن يثبت لهم خطأ موقفهم، ليصبح البرلمان محلا لإنتقاد الغالبية العظمى من المصريين، المفترض أنه يدافع عنهم، وأن يوقف جنوح الحكومة فى سياستها الاقتصادية التى بطشت ولا تزال بالطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل، ومعظم شرائح الطبقة الوسطى أيضا.
الأخطاء النحوية التى وقع فيها عبدالعال، ربما كانت فى عصر آخر كفيلة بإزاحته من منصبه، ومع ذلك فقد استمر الرجل فى منصبه وسط جدل سياسى حاد حول مخالفة البرلمان للدستور، منها امتناعه عن إصدار» قانون العدالة الانتقالية «المفترض صدوره فى دور الانعقاد الأولى أى منذ عامين تقريبا، فى الوقت الذى وافق فيه المجلس على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية فى عدة أيام، ضاربا عرض الحائط بأحكام قضائية باتة ونهائية فى هذا الشأن، ومهدرا أحكام الدستور الذى تنص مادته رقم 94 على أن «سيادة القانون هى أساس الحكم فى الدولة»!.
نفس البرلمان فى دورة انعقاده الأولى تحت رئاسة عبدالعال، ضرب رقما قياسيا عالميا فى «سلق وتمرير القوانين»، بموافقته على 341 قانونًا فى أسبوعين فقط، كانت قد صدرت فى عهدى الرئيسين عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى قبل إجراء انتخابات هذا البرلمان، بل إن القانون الوحيد الذى رفضه المجلس وهو «الخدمة المدنية»، عاد المجلس وأقره بعد إجراء تعديلات عليه، بالمخالفة لنص المادة 122 من الدستور التى تنص على أن « كل مشروع قانون رفضه المجلس لا يجوز تقديمه ثانية فى دور الانعقاد نفسه»، فى نفس الوقت الذى وافق فيه النواب على ميزانية تخالف الدستور فى النسب المقررة به للتعليم والصحة.
مخالفة البرلمان للدستور عديدة ومتنوعة، وقد يمكن تفسيرها بسبب ضغوط ما يتعرض لها النواب، أو لأنهم لم يقرأوا الدستور بعناية، أو لأنهم يروا ما لا نراه، لكن ما لا يمكن فهمه أو تبريره، هو عدم ممارسة البرلمان للحقوق التى أعطاها له الدستور فى مواجهة السلطة التنفيذية، على رأسها حقه فى رفض مشاريع القوانين التى يقدمها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، أو رفض الميزانية، وهى أمور لا أتوقع أن يوضحها لنا د.عبدالعال لا فى تصريحات صحفية، ولا حتى فى مذكراته إن قدر له أن يكتبها!.
الفلسفة التى يدير بها عبدالعال جلسات البرلمان، ينبغى أن تتغير جذريًا، فهى فى أحسن الأحوال تضع مسمارًا جديدًا فى نعش الديمقراطية، بل والحياة النيابية برمتها فى مصر.