ورطة حلف شمال الأطلسى - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ورطة حلف شمال الأطلسى

نشر فى : الأربعاء 10 يوليه 2024 - 6:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 يوليه 2024 - 6:25 م

عندما تصل أى مؤسسة (جامعة، أو شركة، أو مركز أبحاث، أو حتى زوجين) إلى الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها، من المتوقع أن نستمع لسلسلة من الإنجازات التى تحققت طوال هذا العمر الطويل، ومن المحتم أن قمة حلف شمال الأطلسى فى واشنطن ليست استثناء لذلك.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الورطة التى يواجهها حلف الناتو الآن. إذ ازدادت فرص عودة دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة، ويظل فيكتور أوربان فى المجر قوة مدمرة، والجانبان الأوروبى والأمريكى منقسمان بشأن حرب إسرائيل وحماس، الصين، تنظيم التقنيات الرقمية، وطريقة مساعدة أوكرانيا فى مواجهة روسيا.

قد يقول البعض إن هذا ليس بالأمر الجديد. فلقد واجه التحالف أزمات خطيرة طوال تاريخه. مثلًا، كانت الخلافات حول العقيدة العسكرية (خاصة دور الأسلحة النووية) سببًا فى توتر التحالف طيلة فترة الحرب الباردة، كذلك عارضت ألمانيا وفرنسا علنًا قرار إدارة بوش بغزو العراق فى عام 2003، وقد اشتكى كل رئيس أمريكى، من دوايت آيزنهاور إلى ترامب، من ميل أوروبا إلى الاستفادة المجانية من الحماية الأمريكية. إذا يمكن القول إن مشاكل اليوم هى نفسها تقريبًا.

إلا أن الوضع اليوم داخل الحلف يختلف بشكل ملحوظ عن تلك التوترات السابقة، إذ العوامل التى تهدد مستقبل الناتو تتجاوز الميول الشخصية للقادة (ترامب أو مارين لوبان). الواقع أن وجهات نظرهم والقبول المتزايد لها هى العوامل الحقيقية.

بعبارة أوضح، الدول تشكل تحالفات فى المقام الأول لمعالجة التهديدات المشتركة، وعندما تم تشكيل حلف شمال الأطلسى فى عام 1949، بدا أن الاتحاد السوفييتى يشكل تهديدًا لأعضائه الأوروبيين. وكان من المنطقى أن تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عنهم والحفاظ على وجود عسكرى كبير هناك. لكن تلك الأيام ولّت. لقد انتهى الاتحاد السوفييتى وحلف وارسو، ولم تعد روسيا قادرة على غزو القارة الأوروبية وإخضاعها. صحيح أنها تشن حربا -غير شرعية- فى أوكرانيا وقد تهدد ذات يوم دول البلطيق الصغيرة، لكن فكرة أن الجيش الروسى يعتزم شن حرب على بولندا والتوجه إلى القناة الإنجليزية هى فكرة مثيرة للضحك. فالجيش المنشغل بمواجهة أوكرانيا -الأصغر والأضعف- ليس على وشك أن يتحول إلى التوسع الإقليمى، حتى ولو كان فلاديمير بوتين يحمل مثل هذه الطموحات.

فى الوقت نفسه، الصين منافس للولايات المتحدة، وأكبر دولة تجارية فى العالم. أصبحت حصة آسيا فى الاقتصاد العالمى (54%) أكبر كثيرًا من حصة أوروبا (17%)، كما أن مساهمتها فى النمو الاقتصادى العالمى أعلى أيضًا. ولهذا السبب، ولأسباب بنيوية بحتة، تحظى آسيا بحصة أكبر من اهتمام الولايات المتحدة اليوم، بينما تحظى أوروبا بحصة أقل. هذا لا يعنى أن أوروبا لم تعد ذات أهمية على الإطلاق، لكنها لم تعد تحتل مركز الصدارة بين المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

بمجرد تفكك الاتحاد السوفييتى، توصلت الدول الأعضاء فى الحلف لمبررات ومهام جديدة مع مرور السنين. لكن المشكلة هى أن معظم هذه المساعى الجديدة لم تنجح بشكل جيد. فالتوقعات بأن توسعة حلف شمال الأطلسى سيؤدى إلى أوروبا «كاملة وحرة وتنعم بالسلام» تبدو جوفاء إلى حد ما اليوم، خاصة مع اندلاع حرب وحشية فى أوكرانيا وتجمد العلاقات مع روسيا بشكل عميق. ورغم احتشاد أعضاء الناتو خلف الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر - مستشهدين بالمادة الخامسة للمرة الأولى والوحيدة - لكن الجهود اللاحقة التى بذلها الحلف فيما يسمى ببناء الدولة فى أفغانستان كانت فاشلة وباهظة الثمن. كذلك لم يكن التدخل الأنجلو-فرنسي-أمريكى المشترك فى ليبيا فى عام 2011 عملية تابعة للحلف، لكنه كان مثالًا واضحًا للتعاون الأمنى ​​عبر الأطلسى، وكانت النتيجة دولة فاشلة أخرى. وإذا كان الناتو ساعد أوكرانيا على النجاة من الغزو الروسى والدفاع عن معظم أراضيها، ولكن من غير المرجح أن تنتهى الحرب بانتصار واضح يحتفى به الحلف. لذا، وبالنظر لهذا السجل الحافل، يمكن أن نفهم السبب وراء تزايد الشكوك حول قيمته.

أخيرًا، لم تعد الكليشيهات المألوفة حول القيم المشتركة والتضامن عبر الأطلسى يتردد صداها بقوة كما كانت ذات يوم، وخاصة بين الأجيال الشابة. إذ النسبة المئوية للأمريكيين والأمريكيات من أصل أوروبى آخذة فى الانخفاض، مما يؤدى إلى تآكل الروابط العاطفية مع «البلد الأم»، وأحداث مثل الحرب العالمية الثانية، وسقوط جدار برلين هى تاريخ قديم للمواطنين والمواطنات الذين بلغوا سن الرشد وقت الحرب على الإرهاب أو الأزمة المالية عام 2008، وأصبح يتركز وعيهم السياسى على تغير المناخ أكثر من التركيز على سياسات القوة. لذلك ليس من المستغرب أن يكون الشباب الأمريكيون أقل اقتناعًا بمزاعم (الاستثنائية الأمريكية) وأقل ميلًا إلى دعم دور أممى نشط. لا يبشر أى من هذا بالخير بالنسبة للشراكات الأمنية التى لا تزال تعتمد بشكل كبير على قيام الولايات المتحدة بدور المستجيب الأول كلما ظهرت مشكلة.

ليس معنى ما سبق أن حلف شمال الأطلسى سوف ينهار، حتى لو أصبح ترامب رئيسًا مرة أخرى، واكتسب المزيد من الشعبويين السلطة فى أوروبا. لكن هناك قوى بنيوية تعمل على التباعد بين أوروبا والولايات المتحدة تدريجيا، وسوف تستمر هذه الاتجاهات بصرف النظر عما يحدث فى نوفمبر المقبل، أو فى أوكرانيا، أو فى أوروبا ذاتها. لذا، السؤال المهم الوحيد هو إلى أى مدى قد يصل هذا التباعد.

 ستيفن والت

مجلة فورين بوليسى

ترجمة وتلخيص: ياسمين عبداللطيف

النص الأصلى

التعليقات