من دلالات فوز حزب العمال بالانتخابات البريطانية - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من دلالات فوز حزب العمال بالانتخابات البريطانية

نشر فى : الأربعاء 10 يوليه 2024 - 6:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 يوليه 2024 - 6:25 م

كان جميع المراقبين والمتابعين تقريبا يتوقعون فوز حزب العمال البريطانى بالانتخابات التى جرت يوم الخميس 4 يوليو 2024، وكان الخلاف فيما بينهم يدور فقط حول حجم الانتصار الذى سيحققه حزب العمال ومقدار الخسارة التى سيتكبدها حزب المحافظين الذى شكل الحكومات البريطانية المتتالية منذ عام 2010، علما بأن غالبية استطلاعات الرأى كانت تشير إلى انتصار تاريخى للعمال وهزيمة تاريخية بدورها للمحافظين.

وللنتيجة النهائية المعلنة للانتخابات التى أكدت التوقعات السابقة عليها أكثر من دلالة.

فبعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، فإن التحديات أمام حزب العمال لم تعد محصورة فى الفوز بالانتخابات، الذى تحقق بالفعل، بل فيما سيفعله الحزب فى «اليوم التالى»، أى بعد تشكيله الحكومة الجديدة، وبشكل أكثر تحديدا السياسات التى سيتبناها والاستراتيجيات التى سيعتمدها فى مواجهة الكثير من التحديات والمشكلات الهيكلية التى تواجه بريطانيا على مستوى السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة، وفى الداخل والخارج على حد سواء. 

فأمام الحكومة العمالية القادمة إرث ثقيل قد لا يكون له مثيل فى تاريخ بريطانيا ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى عام 1945، وهو إرث حكم خمس رؤساء وزراء للمحافظين على مدار الأربعة عشر عاما الأخيرة، منهم ثلاثة منذ عام 2022 فقط، وهو ما يعكس حالة عدم استقرار سياسى فى الأعوام الثلاثة الأخيرة، كما أن بعض هؤلاء يعتبرهم البعض مسئولين عن تحول حزب المحافظين من حزب يمينى تقليدى إلى حزب يمينى شعبوى، وبعضهم يتعرض للاتهام بأنه مسئول عن تصاعد فى قوة اليمين المتطرف على الساحة السياسية البريطانية. ويتنوع هذا الإرث بين ما هو دولى وما هو إقليمى وما هو محلى، كما يتنوع ما بين مجالات النشاط الإنسانى المختلفة.

وضمن تلك التحديات، بل فى المقدمة منها، كيفية التعامل مع الميراث الداخلى الثقيل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى طبقا لاستفتاء «بريكسيت» علم 2016، وهو خروج كان السبب فيه فى المقام الأول حكومة سابقة لحزب المحافظين، كما عجزت حكومات تالية للمحافظين عن معالجة أوجه الخلل التى ولدها هذا الخروج، سواء على الصعيد الاقتصادى بشكل خاص، أو على أصعدة سياسات اجتماعية أخرى ذات صلة.

فعلى الصعيد الاقتصادى، فشلت الحكومات المتعاقبة للمحافظين فى تجاوز الوضع الاقتصادى المأزوم الذى خلفه «البريكسيت»، بل زادت الأوضاع الاقتصادية سوءًا نتيجة النهج الذى تم اتباعه فى التعامل مع النتائج الاقتصادية لوباء «كوفيد» ومن بعد ذلك غياب الرؤية الاقتصادية الشاملة التى تمكن من التعامل مع الانعكاسات الاقتصادية على بريطانيا للحرب الروسية الأوكرانية.

إلا أن المسائل الاجتماعية، المرتبطة بدورها بشكل وثيق بالحالة الاقتصادية، ربما كانت من أكثر الميادين التى أخفقت فيها حكومات المحافظين المتتالية، ومن ثم من أهم العوامل التى أثرت سلبا على مكانة المحافظين لدى المواطنين البريطانيين وأجهزت على ما كان قد تبقى لهم من رصيد لدى الناخب البريطانى، ويأتى فى مقدمتها التزايد فى معدلات البطالة والمشكلات المتصاعدة المتعلقة بتراجع فرص الحصول على سكن، كذلك هناك التضاعف فى الفضائح المتصلة بقضايا الفساد خلال السنوات الماضية وفى ظل حكومات المحافظين المتعاقبة.

وتبقى القضية الاجتماعية الأكثر إلحاحًا هى استمرار التدنى فى نظام التأمين الصحى البريطانى الشامل، الذى كان لعقود نموذجا يحتذى به فى الدول الرأسمالية الغربية، حتى بدأ العبث به فى عهد رئيسة الوزراء الراحلة «مارجريت تاتشر» منذ رئاستها لحكومة المحافظين فى نهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين، وتدهور الوضع كثيرًا فى عهد حكومات المحافظين المتعاقبة إلى أن وصل الأمر إلى وجود صعوبات حقيقية تواجه المواطن البريطانى فى الحصول على الرعاية الصحية التى يحتاجها، بالإضافة إلى وجود عجز بارز فى الخدامات الصحية، خاصة خارج المدن الكبرى، مما أدى إلى حدوث تشوهات كبيرة فى بنية نظام التأمين الصحى الشامل فى بريطانيا.

ولكن يتعين علينا أن نعى أن حزب العمال البريطانى اليوم ليس هو الحزب الذى كان يقوده «جيريمى كوربين» ما بين علمى 2015 و2020، فالبعض يتهم الزعيم الحالى للحزب ورئيس الوزراء القادم المتوقع «كير ستارمر» بأنه قام بأمر مشابه لما قام به رئيس الوزراء البريطانى الأسبق «تونى بلير» فى تسعينيات القرن العشرين، أى نقل الحزب ومواقفه وبرنامجه إلى مواقع أكثر وسطية والابتعاد به عن هويته اليسارية التقليدية، بينما يرى آخرون أن ما فعله «ستارمر» كان إعادة حزب العمال إلى موقعه التقليدى فى يسار الوسط من الوضعية اليسارية التى أخذ «كوربين» الحزب إليها خلال فترة زعامته له.

وبالمقابل، فإذا كنا نتحدث عن الشخصية الخاصة بزعيم الحزب، فهناك اختلافات جذرية بين شخصية «ستارمر» المعروف بشخصيته المتواضعة والمتشابهة فى هذا الجانب مع شخصية سلفه «كوربين»، وبين شخصية «تونى بلير» الذى كان شديد الانجذاب للظهور الإعلامى، كما أنه بينما تحدث «بلير» آنذاك عن ما أسماه «الطريق الثالث»، فى تنسيق وتعاون واضح فى تلك الفترة مع الرئيس الأمريكى الديمقراطى «بيل كلينتون»، باعتباره بديلاً يحمل الحلول لكل المشكلات، فإن «ستارمر» كان صريحًا وواضحًا مع الشعب البريطانى خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، مثله مثل سلفه «كوربين» من قبل، حين بين أنه فى ضوء ثقل الحمل والعبء فى حالة الفوز فى الانتخابات فإنه لا يعد بعصا سحرية، بينما وعد بأن تكون السياسة فى خدمة الشعب وليس فى خدمة الحزب.

وإذا انتقلنا إلى الصعيد الإقليمى، أى الأوروبى، سينظر العالم بأسره باهتمام للتعرف على النهج الذى سوف تتبعه الحكومة العمالية الجديدة فى التعامل مع ملف علاقاتها الأوروبية، والتعاطى مع الملفات التى تولدت عن الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، وكذلك السؤال الأهم، وهو هل ستتيح الحكومة الجديدة الفرصة للمواطن البريطانى لإعادة النظر فيما حدث يوم صوت أغلبية البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى.

وعلى الصعيد الدولى، ستكون الحكومة الجديدة مطالبة بالتوصل إلى صياغة جديدة أكثر توازنًا للعلاقات الأنجلو ساكسونية عبر المحيط الأطلنطى مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا شك أن خصوصية العلاقات البريطانية الأمريكية سوف تستمر ولكن قد يتغير إطارها ويتبدل سياقها بعض الشىء، خاصة إذا ما انتصر المرشح الديمقراطى الرئيس جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة فى نوفمبر هذا العام؛ حيث إنه، تقليديًا كان التفاهم أفضل للحكومات العمالية فى لندن حال وجود إدارات ديمقراطية فى واشنطن.

وتبقى، أخيرًا هنا وليس آخرًا، المواقف المتوقعة من جانب الحكومة البريطانية العمالية الجديدة إزاء القضية الفلسطينية. فمواقف حزب العمال قبل الانتخابات كانت واضحة، مثلها مثل قوى سياسية بريطانية أخرى، ولكن بخلاف حزب المحافظين، فى الوقوف مع تلك الأطراف الدولية والإقليمية والأحزاب البريطانية الأخرى الداعية إلى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة. كما أن البرنامج الانتخابى للحزب دعا إلى الإفراج عن جميع الرهائن واحترام القانون الدولى وضخ مساعدات ضخمة إلى قطاع غزة. وإذا نظرنا إلى الصورة الأشمل، أى موقف الحزب إزاء تسوية القضية الفلسطينية، كما ورد فى البرنامج الانتخابى للحزب، نجد أنه تمسك بالموقف المبدئى الذى كان موجودًا وقت زعامة «كوربين» للحزب، أى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن جرى تغيير ملفت فى اللغة المستخدمة، فبدلاً من «الاعتراف الفورى بالدولة الفلسطينية المستقلة»، كما ورد فى برنامج الحزب تحت زعامة «كوربين» فى عام 2019، فقد جرى تخفيف للغة المستخدمة فى البرنامج الأخير، حيث أصبحت الإشارة هى إلى «عمل بريطانيا مع الشركاء الدوليين لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية بجانب دولة إسرائيل»، على أن يكون الاعتراف البريطانى بالدولة الفلسطينية المستقلة فى «التوقيت المناسب»، مع استمرار النص على اعتبار إقامة الدولة الفلسطينية أحد الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطينى.

إلا أنه على جميع الجبهات، فإن الواقع القادم والممارسات العملية هى التى ستكشف التوجهات والمواقف والسياسات التى ستتبعها حكومة حزب العمال، سواء تجاه القضايا المذكورة هنا أو بشأن قضايا أخرى لم نتعرض لها فيما سبق.

(انتهى المقال)

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات