هل عاد ترامب أم جاء ترامب مختلف؟ - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الأربعاء 22 يناير 2025 10:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل عاد ترامب أم جاء ترامب مختلف؟

نشر فى : الأربعاء 22 يناير 2025 - 7:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 يناير 2025 - 7:15 م

بعد تنصيب الرئيس الأمريكى الجمهورى «دونالد ترامب» كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لفترة ولاية رئاسية ثانية له، وإن كانت منفصلة عن فترة ولايته الرئاسية الأولى بفترة ولاية رئاسية واحدة شغل مقعد الرئاسة فيها الرئيس الديمقراطى السابق «جو بايدن»، يتم طرح المئات، بل ربما الآلاف، من التساؤلات حول التوجهات التى ستشهدها فترة ولاية دونالد ترامب الرئاسية الثانية، سواء على الصعيد المحلى أو فيما يتصل بالأقاليم التى تنتمى إليها الولايات المتحدة الأمريكية أو على الصعيد الدولى. ونحتاج إلى كتب كثيرة، وليس مجرد مقالات، للحديث عن التوقعات والتقديرات بالنسبة لتلك التوجهات للإدارة الأمريكية الجديدة، وهو ما لا يتسع المجال له فى مقال واحد مهما كان مركزًا وموجزًا.

 


ولذا فسوف نقتصر فى هذا المقال على تناول محاولة لتوضيح بعض الأبعاد والزوايا والجوانب التى تتعلق بسؤال واحد وهام يطرح نفسه بقوة خلال هذه الفترة وهو: هل ترامب الذى بدأ فترة ولاية رئاسية جديدة جاء يحمل نسخة مكررة ومطابقة للتوجهات التى رفع رايتها وجسدها خلال الفترة الأولى التى شغل فيها منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ما بين شهر يناير من عام 2017 وشهر يناير من عام 2021؟ أم أنه يحمل توجهات مختلفة عما سبق، سواء بناء على مراجعات قام بها هو والفريق المحيط به أخذًا فى الاعتبار دروسًا استفاد منها هو والطاقم العامل معه من فترة الولاية الرئاسية الأولى له، أو بناء على تفاهمات جرت من جانبه أو من جانب داعميه أو معاونيه مع أطراف أخرى مؤثرة على الساحة الأمريكية أو الخارجية؟
والبعض يدفع بأن دونالد ترامب يكرر نهجه خلال فترة الولاية الرئاسية الأولى، خاصة فيما يتعلق بموضوعات السياسة الخارجية، ويستند فى ذلك إلى تصريحاته حتى قبل تنصيبه رسميًا، بشأن دول وأقاليم خارجية مثل كندا ومثل إقليم «جرينلاند» التابع لمملكة الدانمارك، ويقارنون بين ذلك وبين ما ذكره وما كان ينوى فعله خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى بشأن المكسيك وحديثه آنذاك عن بناء «حائط» بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك لمنع الهجرة من المكسيك، بل ومن أمريكيا اللاتينية بصفة عامة عبر المكسيك، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك فى سياق تشدده المعروف، والمرتبط بقناعاته الأيديولوجية، إزاء مسألة الهجرة والمهاجرين بشكل عام.
إلا أنه على الجانب الآخر، فإنه يبدو من تصريحات دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية التى سبقت انتخابه لفترة ولاية رئاسية ثانية أنه راجع وعدل من بعض خياراته وتوجهاته الخارجية، وإن كان ليس بالطبع بشكل كامل أو بالتحرك فى الاتجاه المعاكس. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان دونالد ترامب فى ولايته الأولى عرضة لاتهامات عديدة من بعض الأطراف داخل الولايات المتحدة الأمريكية بالتخاذل، بل وأحيانا بالتواطؤ، مع روسيا ومع الزعيم الروسى فلاديمير بوتين، ولكن خلال حملته الانتخابية الأخيرة لم يحرص على إبداء موقف إزاء القيادة الروسية وبالمقابل تعهد بالعمل على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية فى أقرب وقت ممكن. وعلى الجانب الآخر، فبينما كان دونالد ترامب فى فترة ولايته الرئاسية الأولى يشن حربًا اقتصادية ودبلوماسية وإعلامية على الصين، فإنه بدأ فترة ولايته الرئاسية الثانية بدعوة الزعيم الصينى شى جين بينج لحضور حفل مراسم تنصيبه يوم 20 يناير 2025 فى واشنطن، وذلك عقب صدور العديد من التصريحات والإشارات من دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية الأخيرة التى توحى بفتح صفحة جديدة وأكثر إيجابية فى علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين فى عهد فترة ولايته الرئاسية الثانية.
وعلى صعيد أحد الموضوعات الإقليمية، وفيما يخص منطقة الشرق الأوسط تحديدًا، فإن دونالد ترامب فى ولايته الأولى هو من رعى اتفاقيات تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من البلدان العربية، وهو أيضًا صاحب ما عرف بـ «صفقة القرن» لتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل من منظوره ومن منظور إدارته ومن منظور المقربين منه آنذاك، إلا أن وحتى قبيل توليه رسميًا منصب الرئاسة فى فترة الولاية الثانية كان له دوره، حسب العديد من المصادر الأمريكية والإسرائيلية، فى دفع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو للقبول باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة وبتبادل الأسرى والرهائن مع حركة حماس قبل توليه السلطة رسميًا، حتى وإن كلف ذلك نتنياهو خروج العديد من حلفائه من الحكومة الإسرائيلية احتجاجًا على قبوله بهذا الاتفاق.
وإذا انتقلنا إلى الصعيد الأمريكى الداخلى، نجد أن فترة ولاية دونالد ترامب الرئاسية الأولى شهدت صدامات اتصف بعضها بالحدة ومواجهات مباشرة أو غير مباشرة دارت بينه وبين عدد من مؤسسات الدولة العميقة فى الولايات المتحدة الأمريكية، مما حدا بالبعض إلى اعتبار أن تلك المواجهات والصدامات كانت أحد العوامل الهامة والمؤثرة التى لعبت دورًا سلبيًا ساهم فى خسارة دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية قبل الماضية والتى جرت فى شهر نوفمبر من عام 2020، كما أن البعض الآخر كان يعزو إلى هذه المواجهات والصدامات ما حدث لدونالد ترامب بعد تركه منصب الرئاسة فى يناير 2021 من سلسلة بدت وكأنها لا تنتهى من الملاحقات القضائية الكثيرة والتى شملت مجالات متنوعة عديدة، بدت للبعض وكأنها مخطط لها بدقة للإساءة إلى صورته وسمعته وشعبيته ولاستنزافه فى العديد من المعارك الجانبية والفرعية بحيث لا يستطيع التركيز على السعى للعودة مرة أخرى إلى سدة الرئاسة الأمريكية وأنها كانت تستهدف الإطاحة بأى فرص له للنجاح فى العودة إلى لعب دور رئيسى فى المشهد السياسى الأمريكى من جديد، وهى ملاحقات ربما لم تلاحق رئيس أمريكى سابق منذ سنوات طويلة.
وإذا كان البعض يشير إلى حدوث تفاهمات، سواء كانت صريحة أو ضمنية، هذه المرة بين ترامب وفريق إدارته الجديدة، أو قطاع منه، وبين عدد من مؤسسات الدولة العميقة فى الولايات المتحدة الأمريكية، أو على الأقل بعضًا منها، وذلك بغرض تجنب مسبق للسيناريوهات الدرامية لصدامات ومواجهات فترة ولايته الرئاسية الأولى، فإن البعض الآخر يرى أن اختيار دونالد ترامب لإيلون ماسك كمستشار له لكى يكون مسئولاً، ضمن مهام أخرى، عن موضوع ترشيد عمل البيروقراطية الحكومية الأمريكية وإدخال بعض الإجراءات بغرض «إصلاحها» قد يكون فى جانب منه يستهدف تقليم أظافر تلك البيروقراطية التى بدت متحفظة تجاه بعض سياسات ترامب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، بما فى ذلك توقع تخفيضات كبيرة فى أعداد العاملين فى الأجهزة المختلفة للبيروقراطية الحكومية فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم تقليص نسبة الدولة كطرف يقوم بالتوظيف وتوسيع دائرة القطاع الخاص كمصدر رئيسى للتوظيف فى الاقتصاد والمجتمع الأمريكيين، وبالتالى تعزيز قوة هذا القطاع الخاص فى مواجهة الجهات الحكومية.
ولكن يبقى على الصعيد الداخلى أهمية الاستماع باهتمام والقدرة على استيعاب جزء هام مما ورد فى رسالة الوداع من جانب الرئيس السابق جو بايدن للشعب الأمريكى وهو يترك سدة الرئاسة الأمريكية، وهو الجزء الذى أبدى فيه جو بايدن تخوفه من تعاظم التأثير والدور السياسى للشرائح العليا من الطبقة الرأسمالية الأمريكية وتحذيره مما يراه خطر مستقبلى وقادم بشأن ما يمثله ذلك من تهديد لـلديمقراطية كثقافة اجتماعية وسياسية وكنظام سياسى وحياتى فى الولايات المتحدة الأمريكية.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات