فى خضم متابعتنا لما يحدث فى ميدان التحرير من فض للاعتصام بالقوة ثم متابعة محاكمة مبارك وأعوانه، انشغل المصريون وعلى رأسهم النشطاء والسياسيون عما يحدث فى سوريا من مجازر.
باستثناء بعض المظاهرات المحدودة أمام السفارة السورية والتى على صغرها نجحت فى جعل السفير يغادر القاهرة، لم نجد أى محاولات للحشد الجاد وتصعيد للضغط الشعبى (أو حتى النخبوى) دعما للشعب السورى. وللأسف، فإن الرد الجاهز دائما فى مواجهة هذا التقاعس هو أن ما يحدث فى مصر أولى باهتمامنا أو حسب شعار النظام السابق «مصر أولا».
●●●
ولكن ما يغفله هذا الشعار أو الرد، هو أن ما يحدث فى سوريا الآن هو فى صلب تحقق الثورة المصرية واكتمال مشروعها.
فالثورات العربية فى تكاملها، تعكس وحدة جغرافية وتاريخية لايمكن التغافل عنها شئنا أم أبينا. والارتباط العضوى بين الثورات العربية يجعل الانشغال عما يحدث فى سوريا ضربا من ضروب العبث. فبنظرة سريعة على المنطقة العربية فى الشهور السابقة نرى أن الثورة التونسية فتحت الطريق أمام الثورة فى مصر. ونجاح الأخيرة فى إسقاط رأس النظام أشعل فتيل الثورة فى البحرين، والمغرب، وليبيا ثم سوريا. ولكن مع وأد الثورة فى البحرين بتدخل سعودى ــ أمريكى ثم تدخل الناتو فى ليبيا، توقف المد الثورى لأقطار عربية أخرى ثم أفول نجم الثورة المغربية. إذا لا مجال لتصور أن هذه الثورات ونجاحها محصور فى عوامل داخلية تقف عند حدود كل دولة.
وعلى جانب آخر، فإن هذه الثورات ليست مثل ما تسمى بالثورات الملونة فى دول البلقان والتى كانت حراكا محدودا يدعم جزءا من النخبة فى مواجهة جزء آخر ولكن فى إطار نفس المشروع السياسى. فالثورات العربية هى حركة تحرر وطنى جديدة. بمعنى أن هذه الثورات بشعارها الجامع «إسقاط النظام» تحاول أن تستبدل قلة حاكمة تسيطر على مقدرات شعوبها بدعم خارجى و لمصالحها المرتبطة اقتصاديا وسياسيا بقوى استعمارية، بحكم يخضع لإرادة و مصالح الجماهير. ويبقى مثال حسين سالم فى مصر نموذجا صارخا ليس فقط لتعاون النظام مع إسرائيل ولكن أيضا لاستغلال موارد هذا البلد والتربح منه. ومن هذا المنطلق فإن تصور أن أذرع الثورة المضادة فى مصر أو أى بلد عربى هو قاصر على ما يسمى «فلول النظام» فى داخل كل دولة هو تصور ساذج وخطير.
فالثالوث السعودى ــ أمريكى ــ إسرائيلى يدعم قوى الثورة المضادة بأشكال مختلفة مباشرة و غير مباشرة فى كل بلد عربى، ويسعى إلى هزيمة هذه الثورات أو على أقل تقدير تحجيمها حتى لا تحدث تغيرات هيكليه فى هذه البلاد بشكل يهدد المشروع القائم.
نحن إذا فى حالة حرب مشتركة بين القوى الثورية فى مصر و باقى الأقطار العربية من جهة، وقوى الثورة المضادة المدعومة بهذا الثالوث من جهة أخرى. وكأى حرب فإن عدم الالتفات إلى اتساع الجبهة وعمقها هو أول خطوات الهزيمة.
●●●
وعلى هذا الأساس فإن وأد أو فشل الثورة فى سوريا أو اليمن يسهل من إجهاض الثورة المصرية التى لم تكتمل بعد. وعلى العكس من ذلك، فنجاح الثورة فى سوريا واستبدال بشار بنظام ديمقراطى تحررى يعنى أولا كسر الثنائية أو الاختيار الوهمى بين مشروع المقاومة والديمقراطية. وهى ثنائية لطالما لعبت عليها الأنظمة الاستبدادية فى المنطقة، حتى رأينا مجموعة دعم مبارك تدعى شماتة إسرائيل بسبب محاكمة «البطل الطيار». وثانيا، فإن انتهاج مصر لسياسة تحفظ مصالحها الإقليمية ضد ضغوط المحور الأمريكى فى المنطقة مرتبط بإمكانية وجود حليف قوى مثل سوريا.
إن أهمية دعم الثورة السورية فى هذه اللحظة لا تنبع فقط من إيمان بدور مصر العربى أو حتى موقف أخلاقى من المذابح، ولكن أيضا لأنها مهمة فى صميم استكمال الثورة المصرية. وإذا كان المتخصصون يعرفون أن بذور الثورة المصرية بدأت مع تسييس الشارع فى حملات دعم الانتفاضة الفلسطينية ثم مناهضة الغزو الأمريكى للعراق، فإن اكتمال هذه الثورة يحتاج الآن إلى حملات شبيهة دعما للثوار فى سوريا. حيوا أهل الشام!