زكائب أموال فى هليكوبتر.. هل تسقط على الفقراء؟ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 5:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زكائب أموال فى هليكوبتر.. هل تسقط على الفقراء؟

نشر فى : الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 9:20 م
تخيل أن الحكومة وضعت زكائب وأجولة من النقود، فى طائرة هليكوبتر تحلق فى سماء الوطن على ارتفاع ثلاثة آلاف متر. ثم فتحت هذه الزكائب وألقتها على المواطنين يمينًا ويسارًا. فما الذى سيحدث؟.

لست أنا صاحب السؤال أو الفكرة، بل أحد الاقتصاديين المرموقين مدللاً على أن الدعم الذى تقدمه الحكومة للمصريين يذهب إلى غير مستحقيه.

هو أيضا الذى يقدم الإجابة قائلاً إن الأموال ستذهب إلى الأغنياء لأنهم يسيطرون على النسبة الأكبر من الأراضى، وبعض الفتات سيذهب إلى الفقراء.

الجدل بشأن أيهما أفضل.. الدعم النقدى أم العينى مستمر منذ سنوات طويلة، ويتجدد هذه الأيام على خلفية المفاوضات مع صندوق النقد الدولى، ويبدو أن أنصار الدعم النقدى يكسبون أرضًا جديدة كل يوم.

يقول الاقتصادى: «مازلنا نعتقد أن الدعم يصل إلى مستحقيه رغم أننا نلقيه عمليًا فى الهواء، معتقدين أن الأقدار تلعب لعبتها وتتولى توزيعه على الفقراء».

فى تقديره فإن الدعم العينى الذى لا تزال الحكومة تطبقه على نطاق واسع يعنى أن الرجل الأكثر ثراء ويملك عشر سيارات مثلًا، يتلقى دعمًا مباشرًا من الدولة عشر مرات، وأغنى الأغنياء الذى يمتلك يختًا يتنزه به فى البحار والمحيطات، يحصل على وقود اليخت مدعمًا أيضًا، فى حين أن الميزة الفعلية التى تصل إلى غالبية الفقراء ضئيلة جدًا.

هو يعتقد أن حجم ما يتسرب من الدعم العينى يتراوح بين ٥٠ إلى ٦٠٪، فى حين أنه لو تم تطبيق الدعم النقدى فسيصل معظمه لمستحقيه من الفقراء، ونسبة التسرب لن تزيد على 10%.

ما يدعم هذا الرأى أن هناك أكثر من 18 مليون بطاقة تموينية تضم حوالى 70 مليون مصرى، يحصلون بها على الخبز والسلع التموينية المدعمة، فى حين أن الذين يحصلون على ذلك بالفعل أقل بكثير. والحكايات عن بطاقات الخبز الوهمية صارت تتردد بقوة، ويستخدمها بعض معدومى الضمير من أصحاب المخابز للحصول على فارق السعر الرهيب حيث إن تكلفة الرغيف الواحد مثلًا تصل إلى ٣٤ قرشًا، وبالتالى فإن صاحب المخبز يبيع الرغيف المدعم بخسمة وعشرين قرشًا للمطاعم، ثم يحصل على ثمنه ٣٤ قرشًا من الحكومة.

ويستشهد أنصار الدعم النقدى بالتجربة الناحجة التى طبقتها الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى فى «برنامجى كرامة وتكافل»، وبناء على بيانات دقيقة فقد تم الوصول إلى فئات كثيرة فقيرة جدًا.

فى المقابل فإن أنصار الدعم العينى يقولون إنه الوسيلة الوحيدة لحماية الفقراء من لهيب الأسعار، أما عدم وصوله لمستحقيه فمشكلة تتحملها الحكومة وليس الفقراء، خصوصا أنها تتحدث من سنوات طويلة عن بناء قاعدة بيانات حقيقية، فهل يعقل أنها لم تتمكن من فعل ذلك طوال هذه السنوات، وما الذى منعها وما الذى يمنعها؟

سؤال وجيه، وإذا كان كثيرون يميلون إلى الدعم النقدى لكى يتوقف النزيف اليومى فى الموازنة العامة، فإن المشكلة الجوهرية هى التضخم.

فإذا كانت وزارة التموين تخصص لكل مواطن ١٥ جنيهًا فى منظومة السلع التموينية، منذ سنوات، فإن هذا المبلغ خسر حوالى أكثر من 30% من قيمته بسبب انهيار الجنيه المصرى أمام الدولار، وهو مرشح ألخسارة أكبر فى المرحلة المقبلة للأسف.

السؤال هل تتعهد الحكومة وهى تقدم الدعم النقدى للمواطنين بأن تراعى نسب التضخم السنوية، وتعوض مستحقى الدعم عن التراجع المستمر فى قيمة العملة، حتى لا يجدوا أنفسهم يحصلون على أوراق من العملة لا تشترى شيئًا، فى حين أنه كان فى السابق يحصل على حصته من السلع الرئيسية مثل السكر والزيت والشاى والأرز بمبلغ محدد. هذا المبلغ الآن لا يشترى خمس أو سدس هذه الكمية.

ما يشغل المواطن البسيط، ليس أن يكون الدعم نقديًا أو عينيًا، بل أن يجد السلع بأسعار تتلاءم قدر الإمكان مع دخله، وبالتالى فإن الدعم النقدى قد يكون حلاً شرط أن يراعى التضخم، فهل تنجح الحكومة فى بناء شبكة حماية اجتماعية حقيقية تقى الفقراء ومحدودى الدخل من نار الأسعار ومعها التضخم؟!
عماد الدين حسين  كاتب صحفي