لا أدرى بالضبط ما هو الوزن السياسى للقيادى الإخوانى حمزة زوبع المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، لكى نأخذ مبادرته التى أطلقها أمس الأول للمصالحة الوطنية، على محمل الجد، فلا أحد يعرف شيئا عن درجة تأثير الرجل على صنع القرار داخل الحزب أو التنظيم، وهل مبادرته تعبر عنه شخصيا، أم عن اتجاه تتبناه ــ سرا ــ قيادات بالجماعة لجس نبض الشارع المصرى حول إمكانية عودة الإخوان للمشهد السياسى مرة أخرى، بعد سقوطهم فى مستنقع العنف، وتدهور شعبيتهم لأدنى مستوى بين المصريين؟!
ما تم نشره حول بنود المبادرة يحمل أكثر من مفاجأة، ربما يكون أهمها على الإطلاق اعترافها بأن «الإخوان أقصوا الجميع، وأن حكم الرئيس المعزول محمد مرسى كان ضعيفا، وبأن 30 يونيو كانت حشودا غاضبة ضد سوء الإدارة». وفى حين أسقطت المبادرة تماما من حساباتها وصف ثورة 30 بأنها انقلاب عسكرى، فقد طالبت «بوضع ضمانات لانسحاب الجيش من المشهد السياسى، عقب إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والإفراج عن المعتقلين وإطلاق سراح مرسى، وتشكيل لجنة تقصى حقائق حول الأحداث التى وقعت بعد 3 يوليو الماضى، والدعوة لمؤتمر مصالحة يضم الجميع، سواء كان سياسيا أو اجتماعيا، وإعلان جميع الحركات والجماعات التزامها التام بالقانون والعمل بشفافية وفقا للدستور والقانون».
قد يعتقد الكثيرون أن المبادرة مجرد مناورة إخوانية جديدة، ينحنى بمقتضاها التنظيم للعاصفة الأمنية التى تلاحق رؤوسه الكبيرة وقياداته الوسيطة، لتقديمهم للعدالة فى تهم قد تصل عقوبتها للإعدام شنقا. وقد يعتقد آخرون أن مبادرة زوبع «هدية مسمومة» تحاول تصوير جرائم الإخوان طوال السنة التى حكموا فيها مصر وكأنها «زوبعة فى فنجان»، يمكن لجموع الشعب المصرى ابتلاعها بعبارات إنشائية. وقد يرى فريق ثالث أن المبادرة تعبر عن تيارات أو أجنجة داخل التنظيم ترفض فعلا سياسات قيادته المتطرفة، وتحاول بإخلاص إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الجماعة ومصداقيتها!
أيا كان الوضع، فإن زوبع أرسل مبادرته للعنوان الخطأ وفى التوقيت الخطأ، فقد كان من الأولى أن يتوجه بها إلى أعضاء الجماعة أنفسهم، ليعيدوا صياغة التنظيم فكريا وسياسيا وأخلاقيا على أسس جديدة، وهو ما يستتبع بالضرورة إجراء محاكمات تنظيمية لقياداته التى سال لعابها على السلطة، فانقضت عليها دون وازع من شرف أو أخلاق أو دين، وارتكبت سلسلة من الجرائم المروعة بدءا من أكاذيبها حول برنامج النهضة الوهمى، والوعود المضروبة للرئيس المعزول مرسى حول حل أزماتنا الكبرى فى 100 يوم.. مرورا بالتفاهمات السرية مع اللوبى الصهيونى فى أمريكا للتفريط فى سيادتنا الوطنية فى حلايب وشلاتين وفى أجزاء كبيرة من سيناء، والحفاظ على أمن إسرائيل بتلجيم حركة حماس.. نهاية بالتحريض على العنف والقتل خلال اعتصامى رابعة والنهضة، والتهديد بحرق البلاد إذا لم يعودوا للسلطة.
كل مبادرات الإخوان بدون هذه المراجعات الفكرية والمحاكمات التنظيمية، ستكون حرثا فى البحر، ولن تؤدى إلا إلى مصالحة مسمومة كالقنبلة المفخخة، فالتنظيم بقياداته الحالية ذات المرجعية القطبية أصبح فى خبر كان، لن يجد له موضع قدم فى نظامنا السياسى الجديد، فالإخوان فى طبعتهم الحالية خارج التاريخ وخارج الإجماع الوطنى.. وهو ما يبنغى أن يدركه جيدا كل أصحاب مبادرات المصالحة الوطنية سواء داخل تنظيم الإخوان، أو حتى داخل حكومة الببلاوى!