لا أعرف الاسباب التى دفعت الشاعر جرجس شكرى أمين عام النشر فى هيئة قصور الثقافة للاستقالة من منصبه قبل نحو أسبوع، لكن ما أعرفه جيدا أنه أدى مهامه بكفاءة بالغة طوال 6 سنوات شغل فيها المنصب وأنجز كل ما يمكن ان نتمناه من شاعر متفرد ومن مثقف لديه رؤية سعى لتنفيذها تقوم على الايمان المخلص بتنوع الروافد الفكرية والابداعية للهوية المصرية وادرك تماما ما تحتاجه الثقافة المصرية فى لحظة حافلة بالتحولات. عوض جرجس شكرى بالكتب المهمة التى نشرها الخسارة التى نجمت عن توقف مشروع مكتبة الاسرة، وركز بالتعاون مع رؤساء تحرير السلاسل على ترميم الفجوات فى الذاكرة الثقافية ونظر إلى ما تحتاجه الاجيال الجديدة من مؤلفات لكى تضع النواة الاولى لمكتباتها الخاصة. لا اظن أن هناك من ينسى جهده فى إعادة نشر سلسلة المسرح كاملة أو سلسلة هوية مصر التى نشرت ما يزيد على 70 كتابا تمثل افضل الكتب التى تم نشرها حول تاريخ مصر فى مختلف العصور وبأقلام من يمثلون اتجاهات الكتابة التاريخية تمثيلا نزيها كذلك لا يمكن تجاهل دوره فى إحياء مئوية ثورة 1919 بإعادة نشر أهم ما نشر حولها من مؤلفات.
وبالاضافة إلى ذلك طور كثيرا فى سلاسل اخرى ارتقى فيها بنوعية ما ينشر وبالذات فى الأعمال الابداعية التى اعاد نشرها لكبار المبدعين والمبدعات العرب من امثال انعام كجه جى وحسن نجمى وغسان زقطان وبول شاؤول وكذلك فعل فى سلسلة الدراسات الشعبية التى استعادت قيمتها بفضل تعاونه مع الصديق حسن سرور.
واليوم عندما ينظر المثقف العارف بظروف العمل فى مؤسساتنا الثقافية وما فيها من بيروقراطية معطلة إلى ما انجزه جرجس شكرى سيندهش كثيرا من حجم هذا الانجاز ومن قدراته الفذة فى التحايل على واقعنا الردىء.
أعاد جرجس النشر داخل هيئة قصور الثقافة إلى عصره الذهبى الذى بدأ به فى التسعينيات أيام حسين مهران وعلى ابو شادى ومحمد كشيك واحمد عبدالرازق ابو العلا ومحمد عيد ابراهيم أو خلال الفترة المهمة التى تولى فيها الصديق أحمد مجاهد رئاسة الهيئة وكان القراء أيامها يتخاطفون ما ينشر فيها من مؤلفات.
اعرف قبل غيرى ان النشر لا ينبغى ان يكون المهمة الاولى داخل قصور الثقافة كما اعرف أن السهل هو اعادة النشر والاصعب هو نشر كل ما هو جديد وقد انتقدت فى مرات كثيرة نشر بعض الكتب من دون مقدمات شارحة واستوعب شكرى كل هذه الانتقادات وتناقشنا فيها بمحبة بالغة لأننا لا نختلف فى الهدف وربما نختلف فى وسائل تحقيقه.
ما اعرفه تماما أن جرجس لم يواجه فقط المشكلات البيروقراطية المعتادة والتى يقف خلفها أصحاب الرؤى المحددة لكنه واجه أيضا أسماء من داخل الجماعة الثقافية تحقق هدفها الذى سعت إليه أخيرا تحت مزاعم مختلفة، تعكس صراعات الجماعة الثقافية والتى لا تعنى القارئ فى شىء، فالشاب الذى يسعى لشراء كتاب قيم بـ10 جنيهات هو وحده من يشعر بالخسارة الناجمة عن غياب جرجس شكرى.
انتقادات كثيرة يمكن توجيهها لأى شخص ناجح لكن نجاح جرجس شكرى كان مشهودا وبالتالى كنا نتوقع ان يهتم أحد بنبأ الاستقالة وان يحقق القائم بأعمال رئيس قصور الثقافة فى أسبابها لكى لا تتكرر على الاقل أمام من يخلف جرجس فى المنصب، لكننا نعانى للأسف من غياب الشفافية والمحاسبة كما أننا لا نحب الناجحين.