يرى فريق من المصريين الآن أننا بعد الدستور الجديد، نقف على أعتاب حكم عسكرى فى طبعة منقحة، يستعد للسيطرة على مفاصل الدول بواجهة مدنية، عن طريق بناء تحالف طبقى جديد بين المؤسسة العسكرية وكبار الرأسماليين وبعض نجوم الفلول من عصر مبارك، ودليلهم الكبير على صحة رأيهم أن هذا الدستور أعطى للمؤسسة العسكرية كل الامتيازات التى طلبتها، والتى جعلتها من وجهة نظرهم دولة داخل الدولة، كما أن نفس الدستور تمسك بآليات السوق كفلسفة حاكمة لتوجهاتنا الاقتصادية، فى نفس الوقت الذى يلاحظ فيه هذا الفريق عودة بعض رموز عهد مبارك خطوة خطوة إلى المشهد السياسى، خاصة أن الدستور الجديد ألغى الحظر السياسى على قيادات الحزب الوطنى..
فريق آخر من المصريين يرى أنه من السابق لأوانه إعطاء احكام نهائية على طبيعة التكوين الطبقى للسلطة القادمة قبل إقرار الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأن السلطة الجديدة أيا كانت درجة توجهاتها الرأسمالية، لن تستطيع ان تستمر فى مقاعد الحكم بدون تقديم اصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية معتبرة، وبالتالى فهى مضطرة للحفاظ على وجودها نفسه فى السلطة، أن تقدم تنازلات تتعلق بمصالحها، لكى تقلل من صعوبات الحياة البائسة التى يعيشها ملايين المصريين تحت خط الفقر، ولكى تنزع فتيل انفجارات اجتماعية تهدد بالإطاحة بها خاصة أن هذه السلطة الجديد تدرك جيدا أنها تواجه خصوما كثيرين يتربصون بها فى الداخل والخارج.
وبين هذين الفريقين، يواصل الاخوان المسلمون هذيانهم المثير للسخرية حول الشرعية المفقودة وعودة مرسى، معتمدين على اثارة الشغب داخل الجامعات، بعد الفشل الذريع لمليونياتهم التى دعوا لتنظيمها فى الشوارع خلال الشهر الماضية، والتى شارك فيها العشرات وأحيانا عدة مئات من كوادرهم، تعرض بعضهم للضرب من الإهالى، فى فضيحة سياسية تؤكد أن الشارع المصرى قد لفظ هذه الجماعة واعتبرها ــ بقياداتها الحالية ــ خارج الإجماع الوطنى، وأنها غير جديرة بالثقة، وانها ستبقى كذلك ما لم تغير توجهاتها ورؤسها الكبيرة التى حولت التنظيم إلى مايشبه المافيا التى تراكم ملايين الدولارات بالتجارة بالدين!
واقع الأمر أننا بالفعل أمام طريق مجهول المعالم، كل الاختيارت فيه مفتوحة، فقد نصطدم بحكم عسكرى بقفاز مدنى، وقد تأتى سلطة ذكية تعى طبيعة الأزمات التى تواجهنا وتتخذ سياسات لتحسين أوضاع ملايين المهمشين اقتصاديا وسياسيا، ولتوفير مناخ عام من الحريات يمكننا فيه مناقشة قضايا الإصلاح الدينى والثقافى بشكل جاد، لكننا فى كل الأحوال ابتعدنا كثيرا عن الشعارات التى رفعتها ثورة يناير فى العيش والحرية والكرامة الانسانية، للعديد من الأسباب ربما يكون أهمها أن ثورتنا لم يكن وراءها نظرية ثورية، ولم يكن وراءها إلا غضب عفوى على سوء الأوضاع فى عهد مبارك، اكتسب زخما شعبيا هائلا نجح فى اسقاط رئيسن فى سنتين يمثلان الاستبداد الرأسمالى والفاشية الدينية، لكنه لم ينجح فى ارساء نظام ديمقراطى حقيقى حتى الآن!
وفى ظل نظام سياسى ضعيف ومشوه، ونخب حزبية عاجزة، يبدو الفريق عبدالفتاح السيسى، إذا ما صدقت التوقعات بترشحه للرئاسة وفوزه شبه المضمون بها، أمام معارك ملحمية كبرى، يمكنه بالقطع ان يحقق فيها انتصارات مدوية إذا ما اختار السياسات الصحيحة والتعبير الحقيقى عن ثورة يناير، كما انه قد يمنى بهزيمة ساحقة إذا فشل فى تحقيق اهدافها، لن يتحمل وحده عواقبها الباهظة.. فالبلد كلها ساعتها ستكون على فوهة بركان!