صراع الأفيال على الأراضى السورية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 11 ديسمبر 2024 7:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صراع الأفيال على الأراضى السورية

نشر فى : الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 - 7:35 م

كسر هجوم الفصائل المسلحة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) حالة الهدوء النسبى التى سادت الشمال الغربى لسوريا فى منطقة إدلب وحلب وضواحيهما، حيث غلب فيها الهدوء فى ظل اتفاق أستانا لعدم التصعيد العسكرى، والذى ضمنته كل من روسيا وتركيا وإيران منذ عام 2017. وجرت محاولات عدة فى ظل هذا الهدوء النسبى لإنجاز اختراق فى مساعى التوصل لحل سياسى سلمى بين النظام السورى والمعارضة تحت إشراف الأمم المتحدة دون جدوى، نظرا لتمسك كل من الطرفين المتفاوضين بمواقفهما، وهو ما أدى إلى تجمد المفاوضات واقتناع النظام السورى ومعه إيران باستمرار العمل العسكرى لإنجاز التسوية بالسيطرة تدريجيا على مزيد من الأراضى من تحت قبضة المعارضة. هذا رغم تأكيد كل القوى الدولية والإقليمية عدم إمكانية التوصل إلى حل عسكرى بأى حال من الأحوال.
جرت محادثات على مستويات الخبراء والوزراء والأجهزة الأمنية بوساطة روسية بين تركيا وسوريا، سعيا لتطبيع العلاقات بينهما والعودة التدريجية للاجئين السوريين فى تركيا. كما عرض الرئيس التركى أردوغان عقد قمة مع الرئيس السورى الأسد عدة مرات. ولكن الأسد أكد فى كل مرة أنه يرحب بهذه القمة ولكن بعد التوصل إلى اتفاق على جدول زمنى لانسحاب القوات التركية التى تحتل المنطقة الشمالية من سوريا بمساحة طولها 90 كيلومترا وعرضها 30 كيلومترا داخل الحدود السورية، وتجاهل تركيا هذا المطلب السورى فى كل مرة، وهو ما أدى إلى تجميد المساعى الروسية وصمت تركى، وانشغال المنطقة بنشوب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 ثم على لبنان فى سبتمبر 2024. واتسام عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وإعادة دول عربية علاقاتها معها بالفتور إزاء عدم حدوث تقدم فى مسار التسوية السياسية للأزمة السورية وفقاً للتفاهم العربى مع سوريا بأن يتم الإنجاز على هذا المسار خطوة مقابل خطوة واستمرار الرئيس الأسد فى عناده الشديد.
اتضح لكل من روسيا وإيران، أن تركيا ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، هى التى ترعى وتدعم الفصائل المسلحة التى شنت هجوما مباغتا بالأسلحة الثقيلة والطائرات المسيرة على حلب وحماة وضواحيهما وتقدمت بعد ذلك إلى حمص وحاصرت دمشق ثم استولت عليها وأنهت حكم الرئيس بشار الأسد.
وأن عمليات التدريب والتجنيد والتنسيق بين هيئة تحرير الشام والجيش السورى الحر (المنشق عن الجيش السورى الرسمى) وعدة منظمات وجماعات أخرى، وإمدادهم بهذه الأسلحة جرى بمعرفة وإشراف تركى، وتحت الرقابة والمتابعة للقوات المسلحة الأمريكية التى تحتل عدة قواعد ومواقع فى شمال شرقى سوريا فى مناطق آبار البترول والغاز. ورغم إنكار واشنطن وجود علاقة لها بهجوم الفصائل المسلحة، إلا أن تصريحات المسئولين الأمريكيين من أن عدم استجابة الرئيس الأسد لمطلبهم بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذى صدر بالإجماع فى عام 2015 بشأن التسوية السياسية للأزمة السورية، هو الذى أدى إلى اندلاع الصراع المسلح مرة أخرى، يدل على أن واشنطن رحبت بهجوم الفصائل المسلحة.

• • •

واضح أن لكل من الأطراف المؤيدة، أو غير المعترضة، على هجوم الفصائل المسلحة المشار إليه، أسبابه الخاصة والعامة. فلا خلاف على أن التحالف الأمريكى الإسرائيلى يرى أنها فرصة سانحة لإضعاف الوجود الإيرانى فى سوريا بعدما أصاب حزب الله، من ضربات موجعة وسحب ميليشياته من سوريا لمواجهة الحرب مع إسرائيل، وما تكبدته إيران من خسارة كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد العسكرى التى أمدت بها حزب الله فى لبنان، إلى جانب سحب أغلبية الميليشيات الإيرانية الموجودة فى سوريا والاكتفاء ببقاء المستشارين العسكريين وبعض الخبراء بعد تعرض المواقع العسكرية الإيرانية فى سوريا لضربات بالطيران الحربى الإسرائيلى على مدى السنوات الأخيرة. ولكن الوجود الإيرانى فى سوريا ليس عسكريا فقط وإنما اقتصاديا وتجاريا وسياسيا وثقافيا وعقائديا بدرجة أكبر ومنتشر فى الأقاليم السورية وهو ما سيجعل لإيران دورا فى ترتيبات الأوضاع فى سوريا بعد سقوط نظام الأسد. كما يبدو أن عدم قبول سوريا اقتراح فرض رقابة مشددة على حدودها لمنع مرور الأسلحة عبر أراضيها إلى لبنان زاد من استياء واشنطن وتل أبيب.
أما تركيا، فمن الواضح أنها كانت تعمل على مستويين متوازيين، أحدهما السعى الحثيث لتطبيع العلاقات مع سوريا بناء على توافقهما على وحدة وسيادة سوريا وعدم الموافقة على حكم ذاتى أو إدارة ذاتية للأكراد السوريين، والمسار الثانى بتجهيز الفصائل المسلحة ودعمها بالمتطوعين اللاجئين السوريين فى تركيا ومنهم أعداد كبيرة من حلب وإدلب والمنطقة الشمالية الغربية السورية. وعندما لم يحقق المسار السياسى التطبيع، كان المسار العسكرى جاهزا لإطلاقه فى اللحظة المناسبة. وجاءت هذه اللحظة على ضوء انشغال روسيا بالتصعيد الأمريكى الغربى فى الحرب الأوكرانية وعدم ارتياحها لإخفاقها فى وساطتها فى تطبيع العلاقات التركية السورية نتيجة عناد الرئيس الأسد، وحرصها على استمرار علاقات التعاون مع تركيا لما لها من دور فى التهدئة فى مراحل معينة فى الحرب الأوكرانية، إلى جانب التعاون الاقتصادى والتجارى والنووى للأغراض السلمية بين أنقرة وموسكو، وحالة من التوافق المستتر بينهما بعدم الرضا عن دور إيران فى سوريا، حالياً أو فى المستقبل بعد التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية. يضاف إلى ذلك العبء الثقيل للاجئين السوريين على تركيا اقتصادياً وسياسياً وتعهد الرئيس أردوغان، بالعمل الجاد على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

• • •

أثيرت فى البداية علامات استفهام حول الموقف الروسى ومدى العلم بما تقوم به الفصائل المسلحة من استعدادات وتدريبات التى من المؤكد أنها استغرقت عدة أشهر ولا يتصور عدم رصدها. وقد أقالت موسكو قائد القوات الروسية فى سوريا ذرا للرماد فى العيون وللتمويه عن توافقها مع تركيا على الخلاص من الرئيس الأسد الذى أصبح عقبة أمام كل محاولات التسوية السياسية.
اتضح أن إعلان كل من طهران وموسكو تقديم كل الدعم للنظام السورى لصد هذه الفصائل الإرهابية التى تضم فى صفوفها عدة عناصر غير سورية؛ وإعلان إيران أنها على استعداد لإرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق ذلك، وأنها تبقى على المستشارين العسكريين الإيرانيين فى سوريا؛ وتأكيد الرئيس الإيرانى أنهم ليس لهم أطماع فى أراضى الدول الأخرى، ولا يريدون التصعيد فى المنطقة، كانت مجرد تغطية على موقفهما الحقيقى المؤيد لإسقاط النظام السورى.
أما العراق، فقد اتخذ جميع الاحتياطات بحشد قوات عسكرية على الحدود مع سوريا تحسباً لانضمام تنظيم داعش إلى الفصائل المسلحة من العراق إلى سوريا. وقام الطيران الحربى الأمريكى الموجود فى سوريا بضرب عدة مواقع سورية بدعوى اقترابها من القواعد الأمريكية. كما نسقت القوات الأمريكية فى سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حتى لا تتعرض لهجوم سواء من الفصائل المسلحة أو القوات التركية. وقد سبق أن تصدت قوات قسد، وأغلبيتها من الأكراد السوريين، للتنظيمات الإرهابية سواء جبهة النصرة أو داعش وتفوقت عليها. وقد دربت القوات الأمريكية نحو 60 ألف مقاتل من قوات قسد وتمدهم بالسلاح وتؤيد مطالبهم بحكم ذاتى أو إدارة ذاتية، ضد موقف كل من تركيا والنظام السورى الرافض ذلك بشدة.

• • •

جاء فى بيان المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا أمام جلسة مجلس الأمن، يوم 3 نوفمبر 2024، أن الوضع فى سوريا متقلب وخطير للغاية، وثمة مخاوف من تفاقم الأزمة وتعرض سوريا لخطر شديد بمزيد من الانقسام والتدهور، وأن العواقب قد تكون وخيمة على سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها، مؤكدا أنه لا يوجد حل عسكرى لهذا الصراع. وواضح من كلمته أنه كان على علم بإسقاط النظام السورى وتحسبه لتبعات ذلك.
وتبذل جهود واتصالات مكثفة بين الأطراف الضالعة أو المعنية بالأزمة، فى محاولة لاحتواء الموقف بعد سقوط النظام السورى والعودة إلى المفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، مع وقف القتال، وترتيبات انتقال السلطة، حيث طلبت الفصائل المسلحة من الحكومة السورية وكل أجهزة الدولة الاستمرار فى أعمالهم، إلى أن شكلوا حكومة انتقالية جديدة، ووعدوا بالتعامل مع الجميع بهدوء وروح التعاون حفاظا على كيان الدولة السورية.
هذا يتوقف إلى حد كبير على مدى التعاون بين الأطراف الموجودة فعلا على الأرض السورية وتفاوت أهداف كل منها ومدى القبول بمشاركة الآخرين معها، خاصة فى المرحلة الانتقالية وعلى المدى القصير والمتوسط. ومن أهم هذه الأطراف روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية. الأمر الذى يتطلب التنسيق بينهم بطريقة أو أخرى للإسراع بالمفاوضات بين الأطراف السياسية السورية المختلفة فى ظل المتغيرات التى حدثت والجارية فى سوريا والمنطقة، والاقتناع بأنه من الأفضل للجميع وللمنطقة الإسراع بالتوصل إلى تسوية سياسية تحافظ على وحدة الأراضى السورية وسيادتها، فى إطار من التعاون مع جميع الأطراف من أجل المشاركة فى إعادة إعمار سوريا وإعادة أبنائها اللاجئين والنازحين إلى بلدهم.

 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات