التعليم عن بعد واحد من الآثار التى أتت بها جائحة كوفيد 19 المستجد على العملية التعليمية. ويختلف التعليم عن بعد عن التعليم المنزلى، فالأخير هو التعليم الذى يتلقاه طلاب العشرينيات من خلال الفترة التى تلى التعليم الابتدائى والتعليم الإعدادى. وهو يختلف عن التعليم بنظام الانتساب، والذى يتلقاه طلبه الكليات خلال العشرينيات والثلاثينيات.
التعليم عن بُعد هو منظومة متكاملة فرضتها أزمة الوباء الحالى، لتعمم على جميع الطلاب، فى بقاع كثيرة حول العالم المتقدم والنامى.
الكثيرون يرون أن تجربة التعليم عن بُعد فاشلة إلى حد كبير، هؤلاء فى الأغلب الأعم يحكمون على كيفية تنفيذ التجربة وليس التجربة فى حد ذاتها. بعبارة أخرى، فإن التعليم عن بعد هو عملية تحتاج بشكل دائم إلى ابتكار وتطوير، للتغلب المستمر على المشكلات التى يسفر عنه. من هنا فإنه من المفيد بشكل دائم المراجعة الدورية لتجارب الآخرين فى الداخل والخارج. ويقصد بالخارج البلدان التى نالت حظًا وافرًا عبرت عنه سلالم ومؤشرات التنمية البشرية الدولية. وفى الداخل، من خلال الاتصال الدءوب بالجامعات التى لديها الجديد فيما تطبقه. كل ما سبق من مقترحات للتطوير، هو أمر حتمى للتغلب على ما يسميه البعض ساخرًا بتمصير تجربة التعليم عن بعد، بمعنى إفشالها، باستغلال الثغرات الكثيرة التى بها، إمعانًا من الطلاب وبعض أولياء الأمور فى سرعة إنجاز أبنائهم للمراحل التعليم المختلفة للحصول على الشهادات المعتمدة، دون أن يترجم ذلك لتعليم حقيقى يتلقونه وخبرة معرفية ودراسية فى شتى المجالات.
فى عملية التطوير لن نتوقف كثيرًا على استغلال شبكات التواصل الاجتماعى والمواقع النتّية لتسجيل الطلاب واختيار المواد الدراسية ودفع المصروفات، فكل هذه الأمور تهم أولياء الأمور والمؤسسات التعليمية على السواء، ومن ثم هى تدار بكفاءة ولا تحتاج إلى أية أعباء.
الشغل والجهد الجهيد لتطوير التعليم عن بعد هو فى أمرين: المحاضرات والتقييم. فى المحاضرات ومن خلال تجربتى الحالية فى التعليم عن بعد بإحدى الجامعات الخاصة، يتبين أنه من الأهمية بمكان أن تقوم الإدارة أو المؤسسة التعليمية إلى تسكين الطلاب فى مجموعات صغيرة، لكل مجموعة أستاذ. بالطبع سيكون مرهقًا أن يحدث ذلك فى الكليات النظرية ذات الأعداد الكبيرة، لكن وحتى ينتهى هذا الظرف الغريب الناتج عن الوباء، يمكن أن يتحمل الأساتذة حديثو السن العبء لكى تتم عملية التدريس والتقييم بسلاسة، على أن تتحمل المؤسسة التعليمية الخاصة النفقات الزائدة، والتى سيتحملها بالتبعية أولياء الأمور فى النهاية. أما فى المؤسسات العامة، فإن تحمل الدولة تلك الأعباء يبدو سهلا خاصة أنه يأتى تنفيذًا للدستور الذى نص على استقطاع نسبة محددة من الناتج القومى للإنفاق على التعليم. وثانيًا فإن توفير تلك النفقات يمكن أن يتم عبر التخفيف من غلواء الإنفاق على بندين كبيرين فى الموازنة، وهما الأمن والنقل.
فى المحاضرات مهم أن يقوم الأستاذ بمعرفة عدد الطلبة لديه، وفى كل مرة ينبه على الجميع بفتح الكاميرات، وفتح السماعات، حتى يكون هناك التزام حديدى بالاستماع، والتلاقى بين الأستاذ والطالب عبر الأسئلة والنقاش والحوار، وكل ذلك يجب أن يقيم من خلال درجات معتبرة ومعتمدة لحضور الطلاب للمحاضرات. فى هذه المرحلة من المهم للغاية أن يقوم الأستاذ كل أسبوعين بوضع نشاط اختبارى تدخل درجاته ضمن أعمال السنة، كما الحضور تمامًا. وتكن تلك الامتحانات الفرعية غير مباشرة ومحددة بوقت ضيق، لمنع النقل عبر البشر أو عبر الأدوات الإلكترونية.
فى التقويم النهائى للطلاب، مهم أن تقوم المؤسسة التعليمية بوضع امتحانات لتقييم التحصيل، وأن تكون جميع الأسئلة غير مباشرة، ومن البيئة، وأن تعبر عن تجارب حديثة للغاية. أذكر أننى وضعت سؤالا للطلبة وكان امتحانهم بعد الإعلان عن فوز بايدن بانتخابات الرئاسية الأمريكية بساعات، وكان السؤال عن ذلك، وذلك حرصًا من عن عدم وجود مادة نتية جاهزة تتعلق بالإجابة عن السؤال. من ناحية أخرى، من المهم أن يكون توقيت الامتحان محددا بالدقائق وليس الساعات أو الأيام، كما يحدث فى بعض الكليات، وألا يغلق الممتحن الكاميرات أو مفاتيح الاستماع، وإلا سيعد الطالب راسبًا.
كل تلك الأمور وأمور أخرى يتصور أنها ستكون جدية فى عملية التقييم، إلى أن تنتهى تلك الجائحة، وإن كان البحث الدائم عن التطوير هو أساس النجاح.