بخلفية اشتراكية ديمقراطية كانت فى شبابه تقترب من حدود الماركسية، ينوى عضو الكونجرس الأمريكى بيرنى ساندرز الترشح عن الحزب الديمقراطى لرئاسة بلاده فى الانتخابات المقرر إجراؤها عام 2020، بعد أن أصبح نجما ساطعا فى سماء السياسة الأمريكية لآرائه الشجاعة المناهضة لسياسات واشنطن التقليدية سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى.
ساندرز صاحب الـ 77 عاما واصل دعايته الانتخابية بشن هجوم بالمدفعية الثقيلة على ما اسماه جشع الشركات الأمريكية الكبيرة، متعهدا بإشعال «ثورة سياسية» تعيد تخطيط خريطة الاقتصاد الأمريكى يصب عائده لصالح جميع الأمريكيين وليس لصالح الأثرياء منهم فقط، وهو ما يعنى تصادمه العنيف مع القوى الرجعية المسيطرة على مفاتيح صنع القرار فى أمريكا، فى حرب تكسير عظام سيكون لها تأثيرات هائلة على المسرح السياسى العالمى بالتأكيد.
وحتى فيما يتعلق بالصراع العربى ــ الإسرائيلى، يوجه ساندرز انتقادات لاذعة للانحياز الامريكى المطلق لإسرائيل، وهو يرى ــ رغم انه يهودى أبا عن جد ــ ان إسرائيل ترتكب تجاوزات عسكرية غير مبررة ضد الفلسطينيين، وأنها مسئولة عن مقتل 10 آلاف فلسطينى مدنى فى قطاع غزة، مشددا على ضرورة وقف مساعدات بلاده العسكرية والاقتصادية لإسرائيل لاجبارها على وقف بناء المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو موقف تنظر إليه بعين الاعتبار أوساط واسعة من الأجيال الأمريكية الجديدة، باعتبار أن إسرائيل تكلف الخزانة الأمريكية مليارات الدولارات وتنفذ سياسات لا تحقق المصالح ولا القيم الأمريكية، وإن هذه المليارات لو أنفقت على ملايين من الفقراء ومحدودى الدخل الأمريكيين فسوف تجعل حياتهم أفضل حالا، وهى مواقف تؤيدها أجيال شابة من اليهود الأمريكيين ترى كما قال ساندرز أنه حان الوقت لكى توقف أمريكا انحيازها الأعمى لإسرائيل وأن تعامل الفلسطينيين باحترام وكرامة.
لن يكون من السهل على شركات السلاح أو البترول أو المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى وتجمعاتها فى وول ستريت أو حتى اللوبيات اليهودية الموالية لإسرائيل وجماعات الضغط أو الناخبين من ذوى التوجهات الرجعية، أن يقبلوا بهزيمتهم أمام ساندرز الذى يريد أن يهدم المعبد على رءوسهم، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات صعبة حول قدرته أصلا على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة، وحتى لو فاز بهذا الترشيح وفاز أيضا على منافسه الجمهورى وأصبح رئيسا كيف سيروض هذا الجشع للربح الذى يهيمن على الشركات الكبرى فى بلاده؟ وتحت أى قوانين؟ وهل سيقف بجانبه الكونجرس أم سيحاربه؟ وكيف سيتم السيطرة على التوازن مع الصين وروسيا؟ وهل سيشهد العالم حروبا واضطرابات بعد أن تخف قبضة أمريكا الحديدية كما هو متوقع على مفاتيح الأمن العالمى؟ أم سينجح فى اقامة توافق مع الكيانات الاقتصادية والسياسية الكبرى فى العالم لبناء نظام عالمى جديد يصبح أكثر عدالة وهدوءا؟
ساندرز ليس نغمة نشاز فى السياسة الامريكية، هو يعبر عن اتجاهات تتصاعد بمعدلات مضطردة، خرجت من رحم مظاهرات «احتلوا وول ستريت» لتؤسس حركة «الاشتراكية الديمقراطية الأمريكية» التى ينتمى بعض أعضائها إلى الحزب الديمقراطى، وهى تستهدف فى الأساس إقامة دولة تحكمها أحزاب اشتراكية على غرار الدول الاسكندنافية، ويقول أعضاؤها إن 50% من الأمريكيين يريدون رئيسا اشتراكيا.
فرص فوز ساندرز لا بأس بها، بعد أن حاز شعبية كبيرة داخل صفوف الحزب الديمقراطى، فى نفس الوقت الذى يبدو فيه وكأنه يعبر عما يدور فى صدور الأغلبية الصامتة أو الساخطة بين الأمريكيين الذين لا يرضيهم أداء المؤسسات السياسية أو الاقتصادية فى بلادهم ولا يدرون ماذا يفعلون حيالها أو كيف يأخذون حقوقهم منها؟
من مصلحة الشعوب العربية أن يفوز رجل مثل ساندرز بالتأكيد، لن يكون بالطبع الملاك الذى سيحقق بجرة قلم السلام العادل والشامل فى المنطقة أو يمنع شركات بلاده من سرقة ثرواتها، ولكنه بالتأكيد لن يكون مثل ترامب ومن هو على شاكلته!