فى هذه الأيام والأيام القريبة التالية أربعة أحداث عظيمة مر بها الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم. واقعة الإسراء والمعراج والتى حلت يوم أمس، وتغيير القبلة ليلة النصف من شعبان، بعدها شهر رمضان المبارك، وينتهى الأمر بعيد الفطر.
الحدث الوحيد المتسم بالخصوصية فى تلك الأحداث هو الإسراء والمعراج، بمعنى أن تغيير القبلة وحلول شهر الصوم وعيد الفطر هى أحداث تتصل بكل المسلمين بشكل مباشر، وتمس عقيدتهم فى اثنين من خمس فرائض، وهما الصلاة والصوم. على أن هذا الأمر لا يعنى أن الإسراء والمعراج لم يتصل بحياة الناس، لكن المقصود أنه يرتبط بحالهم بشكل غير مباشر.
واقعة الإسراء والمعراج جاءت بعد الفجيعة التى تعرض لها المصطفى جراء وفاة عمه أبو طالب ثم زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها. بعدها اشتد إيذاء قريش للنبى، فخرج إلى ثقيف بالطائف عسى أن يجد هناك نصيرًا، وسط قوم ليسوا ببعيدين عن قريش.
وقعت الأحداث السابقة عندما كان عمر المصطفى نحو 50 عامًا، أى بعد البعثة النبوية بعشر سنوات، مكث فى مكة بعدها ثلاث سنوات أخرى، قبل أن يهاجر إلى المدينة، التى مكث بها عشر سنوات أخرى، قبل أن ينتقل إلى جوار المولى عز وجل.
فى النصف الثانى من العام العاشر للبعثة النبوية، أى قبل الهجرة بثلاث سنوات، وقعت الأحداث الأربع الجسام، وفاة العم فالزوجة فواقعة الطائف فواقعة الإسراء والمعراج.
كان لواقعة الطائف كنزول الصاعقة على الرسول المصطفى، فقد تعرض لأشد أنواع التنكيل، وكان سنده الصبر الذى ألهمه المولى عز وجل.
بعد تلك الشدة التى وقع بها ومناجاته الشهيرة للمولى سبحانه وتعالى، خاشيًا أن يكون ما تعرض له هو عدو ملك أمره بإذن من الله، أراد الله عز وجل أن ينفى عنه كل تلك الشكوك، فيزيل كل التساؤلات التى كانت برأسه، والتى تصور خلالها أن المولى عز وجل غاضب منه. فإذ بواقعة الإسراء والمعراج التى كانت أغرب وأعظم المعجزات التى تعرض لها المولى طيلة بعثته النبوية، بل إنها فاقت كل معجزات الأنبياء من قبله.
حملت واقعة الإسراء والمعراج عدة رسائل للنبى الأكرم، وقد نقل النبى صلى الله عليه وسلم معناها ومغزاها لعامة المسلمين. أول تلك الرسائل هى قدرة المولى عز وجل على توقيف الزمن، من خلال رحلة ليلية استمرت لساعات قليلة، قطعت فيها مسافات أرضية وسماوية، بعضها عبر جبال، وبعضها عبر أجرام مخترقة السماوات والدروب والشموس المعروفة والمجهولة.
ثانى تلك الرسائل أن أولى القبلتين وثالث الحرمين ومصلى رسول الله هى أرض عربية لا ولاية لليهود عليها، ويجب تحريرها بشتى الوسائل من يد المستعمرين والمحتلين الغاصبين الصهاينة، ففيها بنى ثانى مسجد على وجه المعمورة، بعد الحرم المكى، وهى أرض مباركة ومقدسة، وإن كانت اليوم مدنسة من قبل الصهاينة الذين ما برحوا ينهبون ثرواتها وخيراتها بدعم كامل من الغرب، وصمت وتطبيع من بعض البلدان العربية مؤخرًا.
ثالث تلك الرسائل هى صلاة الأنبياء جميعهم خلف المصطفى بساحة المسجد الأقصى بالقرب من الصخرة المشرفة. وقد اتخذ الرسول بيت المقدس قبلته، قبل أن تتحول القبلة إلى الكعبة بعد الهجرة، أى عقب ذلك الحدث بأربع سنوات ونيف، وهذا كله إقرار وإيمان من المصلين خلفه من الأنبياء والرسل برسالته الخاتمة للبشرية جمعاء. رغم أنه لم يعرف الطريقة التى صلى بها النبى وخلفه الأنبياء، لأن الصلاة المعروفة لدينا لم تكن قد فُرضت حتى هذا الحدث العظيم.
رابعها، فرض الصلاة ورؤية الآيات خلال رحلة المعراج، والصلاة هى القاعدة الثانية التى بنى عليها الدين. تلك الرحلة التى تمت بالروح والجسد كرحلة الإسراء، صحب المصطفى خلالها جبريل عليه السلام، حتى ما قبل سدرة المنتهى. عندها رأى الرسول عليه الصلاة والسلام نور ربه، الذى لم يقدر جبريل على رؤيته. رأى المصطفى فى المعراج كما رأى فى الإسراء آيات عظيمة، و«ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى».
خامسًا، وكما كانت الإسراء والمعراج رحلة ترويح وتسرية عن النفس، كانت بمشتملاتها وبما رأه المصطفى، رحلة استعداد لما سيواجهه من مصاعب لدعوته العالمية، والتى يجب أن يقوى عليها، مصاعب من القبيلة ومن العرب جميعًا، وهى الجبهة الوثنية. مصاعب من الجبهة المجوسية من عباد النار، ومن جبهة البهتان اليهودية المحرفة، ومن جبهة الروم البيزنطية التى حرفت النصرانية وخلطت التوحيد بالوثنية.
وسط كل هذه المعانى وغيرها، ما نتعلم منه الصبر والمقاومة والإصرار والكفاح والمثابرة والأمل.. وكل عام وأنتم بخير.