اهتم مارك توين بكتابة الروايات الرشيقة التى قدمتها السينما الأمريكية من وقت لآخر وفى مقدمتها «توم سوير» والأمير والفقير ومليون جنيه وهذه الرواية الأخيرة حولها بديع خيرى إلى مسرحية قام ببطولتها نجيب الريحانى باسم الدنيا لما تضحك وبعد رحيل الريحانى أعدها للسينما الكاتب نفسه فى فيلم من إخراج محمد عبدالواجد 1953 بطولة نجاح سلام وإسماعيل يس وشكرى سرحان، والحقيقة أنه فيلم مبهج للغاية وخاصة فى حواره وأيضا فى أغانيه والفكرة الأساسية فى الفيلم تكررت كثيرا فى السينما المصرية باعتبار أنها موضوع مضمون فى عالم الكوميديا حيث يتحدث عن الثروة المفاجئة التى تأتى إلى شخص فقير معدم من حيث لا يدرى وعليه أن يتصرف ببذخ شديد وسفه، فيصبح مثل شخص عطش وجد نفسه يغرق فى برميل ويسكى مثلا، وقد تأكدنا على اسم إسماعيل ياسين الذى قام بهذا الدور مرارا وعاش نفس الأحداث من فيلم لآخر لعل أبرزها فيلم الفانوس السحرى لفطين عبدالوهاب، المهم هو أن أفلاطون الذى يعمل فى مجال البناء يتصرف مثل سيد درويش فيغنى مع العمال الكادحين ويضعون حماسهم فى أنغام الأغنية، هذا الأمر يلفت أنظار الثرى عادل الذى يتعجب كيف يقول الفقراء راضين وسعداء بما يدخل جيوبهم ويدفعه التحدى إلى مراهنة أفلاطون أن يمنحه مبلغا ضخما بلغة تلك السنوات على أن يصرفه بالكامل، هو فيلم يتكلم عن الأرقام التى تحدث فى الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ مع ارتفاع أسعار السلع وخاصة الأطعمة ليس سلعة واحدة أو عشر سلع ولكن كل ما يذهب المرء ليشتريه، فالرهان هنا يتوقف عند أنه هل فى الإمكان أن يكمل هذا المبلغ الكبير جدا، الصغير جدا الآن خلال شهر، هنا تبدو مرادفات الأرقام وتناقضاتها والمطلوب من أفلاطون أن يصرف النقود فى مجالات محددة استهلاكية، فلا يشترى سيارة مثلا أو مسكنا وإنما عليه أن يفعل ذلك فى مناحى الحياة العادية هذا الأمر يرؤق أفلاطون وهو يحاول أن ينقل ذويه إلى مستوى اجتماعى أرقى وأن ينقلهم إلى حال أفضل، إنها الثروة المفاجئة الوقتية مثلما حدث أيضا لإسماعيل يس مع الفانوس السحرى فيذهب إلى الكباريهات بصرف الأموال على الراقصات ويتبرع للجمعيات الخيرية، كما أن هذا الأمر قد رأيناه فى أفلام أخرى عديدة مثل لهليبو والنمرود وأفلام أخرى عديدة.
تتشابك حكايات الأشخاص لنعرف أن هذا الثرى عادل يتسلى وهى نفس الحكاية التى شاهدناها عام 1953 فى فيلم باسم «مليون جنيه» بطولة جريجورى بك وهى أيضا نفس الفكرة التى رأيناها فى فيلم «أماكن التجارة» عام 1981 من بطولة إيدى مورفى وهو الفيلم الذى تم اقتباسه فى الثمانينيات ثلاث مرات على الأقل بما يؤكد أن كتاب السيناريو عندنا يتلقفون أى فكرة من هذا النوع ويتنافسون عليها لتقديمها فى أكثر من معالجة.
فى فيلم محمد عبدالجواد فإن هذا الثرى يتعرف على فتاة بسيطة تعمل مغنية فى الكباريه، وهى لا تجالس الزبائن ولكنها توافق على الخروج مع ذلك الشاب الذى يدعى محسن وهو عاطل يبلغها أنه يبحث عن وظيفة لدى الثرى عادل، لقد أخفى عنها حقيقته باعتبار أن عادل ومحسن الشخص نفسه وفيما بعد يكتشف أن هذه الفتاة التى أحبته هى شقيقة أفلاطون الذى يرفض من جانبه أن تتزوج أخته من رجل يصل مرتبه إلى ثمانية عشر جنيها، هنا فإن الثراء المفاجئ لن يكون مؤقتا أو وقتيا مثل بقية الأفلام الأخرى ومنها «لو كنت غنى»، و«الفانوس السحرى»، و«سفير جهنم»، فلا شك أن زواج عادل من أخته سوف يعنى أنهم سيعيشون لزمن طويل فى تلك الطبقة الاجتماعية التى صعدا إليها فجأة، وهذا الأمر لم يكن أبدا فى حسبان مارك توين.