بغض النظر عن حقيقة تبعية جزيرتى تيران وصنافير لمصر أو للسعودية، فقد تعاملت حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسى مع هذه القضية الخطيرة باستخفاف لا يمكن قبوله أو تبريره، ظهر واضحا جليا فى عدم اكتراثها بحق جموع الشعب المصرى فى معرفة أسرار المباحثات، التى قيل إنها استمرت لست سنوات، مع الجانب السعودى حول هاتين الجزيرتين، حتى انتهت فجأة إلى التسليم المطلق بملكية السعودية لهما!
لم يقم الرئيس ولا حكومته وزنا لحقنا كشعب فى معرفة كيفية تحديد مصير أراضينا، أو بالأحرى حدودنا، فنحن لم نعرف بعد ما هى الخرائط أو الوثائق التى استند إليها الخبراء السعوديون فى اثبات ملكية بلادهم للجزيرتين، وما هى ردود الخبراء المصريين عليها، وما هى الخرائط التى استندوا إليها خلال مفاوضاتهم مع نظرائهم السعوديين؟.
ثم ما هى أسماء هؤلاء الخبراء، وما هى تخصصاتهم، ولماذا لم تنضم إليهم خبيرة الخرائط هايدى فاروق مستشارة قضايا الحدود الدولية والثروات العابرة للحدود، التى فجرت مفاجأة فى لقائها مع فضائية «أون تى فى»، بتأكيدها المطلق على مصرية الجزيرتين، وأن هناك خريطة منذ القرن الثانى الميلادى توضح أن خليج العقبة بكل جزره يتبع سيناء، وأن خريطة حملة نابليون بونابرت التى تم رسمها سنة 1800 تؤكد أيضا أن جزيرتى تيران وصنافير مصريتان، وكان اسمهما معا جزر الثيران وكان يستخدمها الحجاج المصريون، وأن هذا الاسم يرجع إلى حفظ الماشية والثيران فيها حتى لا تتعرض للسطو من قبائل عرب الترابين التى كانت تترصد قوافل الحج فى سيناء، كما أشارت المستشارة هايدى أيضا إلى أن بعثة بالمر الجغرافية سنة 1868 أكدت تبعية الجزيرتين لمصر، وأن هناك 4 خرائط أخرى وضعها جغرافيون أوروبيون بعد ذلك تؤكد كلها مصرية الجزيرتين، وموضحة أنه فى عام 1908 بنت مصر فنارة فى تيران، فى إشارة إلى أن مصر كانت تمارس سيادتها على الجزيرة قبل أن تنشأ أصلا المملكة العربية السعودية فى عام 1932!
كل هذه الدلائل التى قدمتها خبيرتنا المصرية الكبيرة، أسقطتها حكومة الرئيس من حساباتها خلال التفاوض مع الجانب السعودى، وحتى لو افترضنا جدلا ان السعودية لديها وثائق وخرائط قوية، فإن حكومتنا لم تكلف نفسها عناء اطلاعنا عليها، لتثير بذلك الكثير من الشكوك حول تهاونها فى الحفاظ على أراضينا، وهو ما يتعارض مع الدستور ومع الثوابت الوطنية، بل إنه لو صحت هذه الشكوك فإن من شأنه إسقاط النظام بكامله، وليس الحكومة فقط!
ليس هكذا ينبغى أن تدير حكومتنا الأمور فى مصر، عقلية النظام فى تعاملاته مع شعبه ينبغى أن تتغير فورا، فقد تكون الجزيرتان سعوديتين فعلا، وهو أمر يقبله جميع المصريين إذا ثبت صحته، لكن ما لا يمكن قبوله هو المنهجية السياسية العقيمة التى أدار بها النظام أزمة الجزيرتين، وهو ما يفتح الباب لانتقاده والهجوم عليه، فقد كان من المفترض أن يفتح النظام أبواب النقاش حولهما، ويدعو كل الأكاديميين والمتخصصين والأحزاب والقوى السياسية والشعبية، للوصول إلى قناعة وطنية عامة تحدد مصير الجزيرتين.
الكرة الآن فى ملعب البرلمان الذى ينبغى أن يناقش الاتفاقية بشكل موضوعى، بعيدا عن المزايدات السياسية أو النبرة القومية المتعصبة، وألا يخضع لأية ضغوط حكومية، فالبرلمان – بعد أن خذلتنا الحكومة ــ هو أملنا الباقى الوحيد لفتح هذا الملف الشائك بكل شفافية، فنحن لا نريد أن نستولى على أراضى الغير، ولكننا أيضا لن نقبل أبدا بالتفريط فى حبة رمل واحدة من أراضينا.
كل ما على البرلمان أن يفعله ان يستدعى كل خبرائنا من مختلف التخصصات لمناقشة القضية فى جلسات عامة مذاعة على التليفزيون، ليقر فى النهاية الاتفاقية أو يرفضها.. وليحدث ما يحدث!!