كارل ماركس في فرنسا.. ماذا يفعل الفيلسوف في منفاه؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كارل ماركس في فرنسا.. ماذا يفعل الفيلسوف في منفاه؟

نشر فى : الثلاثاء 11 أبريل 2023 - 9:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 أبريل 2023 - 9:15 م
نشر موقع درج مقالا للكاتب عمر الأسعد، تناول فيه افتتاح معرض فنى لكارل ماركس فى فرنسا بمناسبة مرور 140 عاما على وفاته، ويضم المعرض مجموعة ضخمة من الوثائق والصور والمقتنيات الشخصية والأعمال الفنية توثق مرحلة المنفى الفرنسى فى حياة الفيلسوف الألمانى الملهم للحركات الثورية... نعرض من المقال ما يلى.
افتتح فى 25 مارس الماضى، معرض ماركس فى فرنسا، لمناسبة مرور 140 عاما على وفاة صاحب «رأس المال» (1818ــ 1883)، ويستمر المعرض المقام فى متحف التاريخ الحى، فى مدينة مونتروى شرق باريس، حتى نهاية عام 2023.
من خلال مجموعة ضخمة، من الوثائق والصور والمقتنيات الشخصية والأعمال الفنية، يُسلّطُ المعرض الضوء على إقامة كارل ماركس، فى العاصمة الفرنسية باريس، التى وصلها خريف 1843، برفقة زوجته الحامل يومها بمولودهما الأول. كانت المدينة وجهة ماركس الأولى، بعد اضطراره للخروج من بلاده، بسبب المعارضة التى لقيتها أفكاره الثورية. غير أنه سيطرد لاحقا منها مطلع 1845، بسبب نشاطاته السياسية، وعلاقاته بالأوساط العمالية، ليعود إليها فى مارس 1848، بدعوة من الحكومة الجمهورية، قبل إخراجه من المدينة عام 1849. لتقتصر علاقته مع فرنسا، على زيارات عائلية متباعدة لابنتيه المرتبطتين باثنين من الاشتراكيين الفرنسيين، ولم تخلُ تلك الزيارات من مراقبة الشرطة وتقاريرها ومضايقاتها، كما يتضح من خلال وثائق المعرض.
وفى التقديم للمعرض، يرصد القائمون عليه، أن كارل ماركس استقطب مزيدا من الاهتمام، خلال السنوات العشر الماضية، فخُصِّصت له افتتاحيات فى الصحف، وأفلام فى السينما، منها على سبيل المثال «الشاب كارل ماركس» (2017)، وكتب وأبحاث قدّمها مختصون متعددو المشارب الفكرية والاختصاصات الأكاديمية.
ويحوى المعرض مجموعة من الأوراق الرسمية، والمراسلات العائلية التى تعود لأفراد العائلة وأصدقائها. إضافة إلى جزئية تحوى تماثيل نصفية، ومنحوتات لصاحب «البيان الشيوعى»، تضاف إليها مجموعة من الأعمال الفنية المعاصرة، منها أعمال بتقنية الحفر، ومنحوتة لرأس الفيلسوف الشهير مشغولة بالشريط المعدنى، وصور مرُكّبة له، وهو يرتدى ثياب عمال الحفريات، أو يحمل على ظهره حقيبة عمال توصيل طلبات الطعام إلى المنازل الشهيرة هذه الأيام.
ويقدم المعرض نسخا متعددة من مؤلفه الأشهر «رأس المال»، الذى ربما لم تكن نسب قرائه عالية بين أعمال كارل ماركس، حتى فى الأوساط النضالية اليسارية، نظرا إلى صعوبته وضخامته، وتأخّر ترجماته أحيانا، وهو ما يلقى المعرض الضوء عليه، إذ تتعدد النسخ المنشورة للكتاب فى فرنسا، ولا يخلو الخلاف عليها من أبعاد سياسية، لا لغوية وحسب، إذ تأخّرَ صدور ترجمة جيدة عن الكتاب حتى عام 1924، كما أن بعض الترجمات لنصوص ماركس وصلت إلى الفرنسية نقلا عن الروسية، وفى الكتاب الصادر على هامش المعرض، والذى ساهم فيه عدد من المؤرخين/ات المختصين، تتطرق بعض النصوص إلى إشكالية الترجمة، وأبعادها السياسية واللغوية فى أعمال ماركس المترجمة، ليس فى فرنسا وحدها، بل أيضا فى الاتحاد السوفييتى والصين وإندونيسيا وغيرها.
كذلك تقدم مجموعة الملصقات والصور وأرشيف الصحف، فكرة واضحة، حول التعاطى معه، أو «استخدام» كارل ماركس، من قبل تيارات مختلفة فى الحركة الاشتراكية والشيوعية الفرنسية، على امتداد القرن العشرين، سواء تلك الحركة التى ستصبح الشيوعية الرسمية، القريبة من السياسات السوفييتية، أو الجناح الذى سيعتمد موقفا معارضا لها، والذى مثلته بشكل أساسى تيارات تروتسكية، أهمها «الرابطة الشيوعية»، و«الرابطة الشيوعية الثورية»، و«رابطة النضال العمالى».
يقتفى المعرض أثر ماركس فى باريس، بخاصة الأماكن التى أقام فيها، والصلات التى بناها، فمنذ وصوله إلى المدينة، بدأ يتواصل مع المهاجرين الألمان المنفيين مثله فيها. وتشير الوثائق إلى أن أكبر نسبة من المهاجرين فى العاصمة الفرنسية خلال تلك الفترة، كانت من الأراضى التى كونت لاحقا ألمانيا، وهؤلاء لم يكونوا سياسيين ومثقفين وكتّاب، وحسب، بل كان بينهم أيضا عمال وعاملات، عاشوا فى أحياء المدينة، وتركز وجودهم فى الدائرة العاشرة منها. إضافة إلى الضواحى، حيث عملوا فى المشاغل الصغيرة، والمعامل الناهضة خلال تلك الحقبة فى الضواحى الباريسية، ومع هؤلاء بالتحديد حرص ماركس على التواصل الدائم منذ وصوله إلى فرنسا، إذ كان على علاقة متينة بنوادى العمال الألمان وتجمعاتهم.
من خلال حشد مجموعة مهمة من الوثائق، والمقتنيات الشخصية، والصور واللوحات والملصقات، والأعمال الفنية، القديمة منها والمعاصرة، حاول القائمون على المعرض، التذكير بأيام ماركس فى منفاه الفرنسى، وبتجليات تلك الأيام فى مسيرته الفكرية، ليؤكّدوا أنه ما زال نموذجا ملهما للحركات الفنية أو الاحتجاجية المعاصرة، التى حرص المعرض على تقديم رموزها وأساليبها فى جزئية منه. غير أن مشاهدة رأس الرجل مطبوعا على الأكياس، وفناجين الشاى، والملصقات المخصّصة للبيع على هامش المعرض، لا يمكن أن تمرّ من دون أن تُذكّر بتحويله إلى صورة «بيّاعة»، وفى هذا لا يختلف كارل ماركس كثيرا عن أى شخصية أضفيت عليها المسحة الأيقونية، ثم تم تداولها فى «السوق»، بعد تجريدها من بعدها السياسى، ونزع السياسى من الأشخاص والصراعات واحدة من ميزات زمن السوق، لذا ربما سيستمر المحتجون فى زيارة المعرض، لكن المقلق أن يكتفوا فى التعبير عن غضبهم بشراء ملصق لجدران غرفهم، أو فنجان يتصبّحون فيه بوجه المنظّر الثورى مع القهوة، بينما عجلة الاستهلاك تدور وتدور.

النص الأصلي

التعليقات