بعد أن زال «سحر» أوباما الذى سلب به قلوب وعقول الملايين فى خطبته التاريخية بجامعة القاهرة، بدا أن الوقت قد حان لكى يدرك الجميع أنه يبيع لنا نفس «البضاعة» القديمة، ولكن فى عبوات جديدة... فالرجل لم يقدم أكثر من «حل الدولتين» للصراع فى الشرق الأوسط كما كان يفعل سلفه جورج بوش.. كما أكد أنه سيواصل الانسحاب من العراق أيضا مثل بوش.. ثم أمر بزيادة القوات فى أفغانستان بالضبط مثلما أراد بوش!!
أما الجديد فهو ــ فقط ــ اختفاء لهجة التهديد التى تميز بها سلفه الذى كان يتصرف كأحد رجال المافيا أو أحد زعماء عصابات الغرب الأمريكى، أما أوباما خريج جامعة هارفارد العريقة فهو الابن الشرعى لجناح الصفوة فى السياسية الأمريكية الذى يعيد الاحترام للمؤسسة الحاكمة فى واشنطن.
فأوباما لن يستطيع الخروج عن النص، ولن يستطيع أبدا أن يفعل مثلا ما فعله السادات وأن يزور القدس ويعترف بإسرائيل بناء على فكرة «جهنمية» أو «كهربائية» خطرت على باله، والتى أسفرت عن سياسة «الصدمات الكهربائية» التى ابتدعها ــ رحمة الله عليه ــ فى علوم الحكم والسياسة ولم يطبقها أحد بعده وبالتأكيد قبله.. فأوباما ليس مطلق السراح لكى يغير السياسة الأمريكية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس، فهو محكوم بمؤسسات وقوى اقتصادية واجتماعية تشاركه اتخاذ القرار.. كما أن أوباما أيضا لم يأت للقاهرة لكى «يغترف» من حكمة الرئيس مبارك كما حاول أحد كتبة السلطة مؤخرا أن يقنعنا وهو لا يدرى أنه يسىء للرئيس بهذا النفاق الرخيص، لأن الحكمة ليس مجالها السياسة ولكن مجالها قاعات العلم أو دور العبادة، لأن السياسة لا تعترف إلا بالقوة ولغة المصالح.
أوباما جاء إلى القاهرة لأسباب مختلفة، ربما على رأسها أن يستفيد من ثقلها التاريخى والدينى والحضارى لكى يؤكد للعالم كله بما فيه الإسلامى أن أمريكا بوش انتهت، وأن صدام الحضارات لم يعد له محل من الإعراب فى سياسات إدارته، وانه يحمل وجها أمريكيا إنسانيا متحضرا لن يكون أى مكان أفضل من مصر لكى يظهره للعالم.
وأوباما بهذا المعنى هو تعبير عن احتياج أمريكى للتغيير ــ وهو بالمناسبة شعاره خلال حملته الانتخابية وهو الذى أوصله للبيت الأبيض ــ والتغيير الأمريكى لا يعنى أبدا التقاءه مع مصالحنا أو أهدافنا السياسية.. فالرجل يؤكد أنه حامى حمى إسرائيل ولن يسمح بحدوث ما يعكر صفو أمنها، ولكن بالتأكيد يمكننا أن نتلاقى مع تغيير أوباما إذا غيرنا نحن حياتنا السياسية رأسا على عقب، ليصبح لدينا برلمان قوى ينتخب أعضاؤه بلا تزوير، وألا تتعدى فترة أى رئيس دورتين مهما كانت حكمته أو عبقريته، وأن تتبادل الأحزاب السلطة فيما بينها، وأن نفصل أجهزة الدولة عن الحكومة، وأن يكون هناك حد أدنى للأجور تسمح بحياة كريمة للجميع.. إلى آخر ما يعرفه جميع المصريين وتتجاهله حكوماتنا المصونة!