لا الأوضاع الإقليمية المضطربة، ولا متغيرات الساحة العالمية، تعطى أى بادرة أمل فى نجاح زيارة وزير الخارجية سامح شكرى لإسرائيل، بإقناع أو إجبار نتنياهو بقبول مبادرة السيسى بحل الدولتين، والتفاوض مع الجانب الفلسطينى بصدق وجدية، وهو الهدف المعلن رسميا من الزيارة!
عربيا، هناك خلافات لاتزال طاحنة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية فى الكثير من الملفات ربما يكون آخرها هو التفاوض مع إسرائيل. كما أن الصراعات الدموية فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، والمرشحة للاشتعال فى السودان، ومناوشات إيران مع الخليج بقيادة السعودية مفتوحة على كل الاحتمالات، كلها عوامل لا توفر أى بيئة إقليمية داعمة أو محفزة لإسرائيل، لكى تقبل ما رفضته منذ 10 سنوات، فيما يتعلق بما يسمى بالسلام العادل والدائم فى المنطقة.
كما أن مصر نفسها التى تعانى من مشاكل اقتصادية متفاقمة، وتبحث عن صيغة ديمقراطية للحكم، وتعانى من موجات إرهابية فى سيناء، ويصفها رئيسها بأنها «شبه دولة»، فمن الصعب التخيل أنها تملك أدوات ضغط مؤثرة على إسرائيل!
أما دوليا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة فى العالم التى يمكن أن تضغط على إسرائيل، دخلت سنة «البيات الانتخابى»، ولا أحد عاقلا يتوقع أن يقدم اوباما، وهو فى عامه الرئاسى الأخير، على اتخاذ أى خطوات مهمة فى الشرق الأوسط، ولن يكون للسياسة الخارجية الأمريكية أى رغبة فى تأييد مبادرة السيسى إلا بالتصريحات الوردية.
وحتى أوروبا التى غالبا ما يكون لها دور شرفى فى مفاوضات السلام، فإنها مشغولة بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى، بتأثيراته الاستراتيجية الهائلة، بالإضافة إلى أولوياتها الأخرى فى البحث عن حلول لأزماتها الكبرى سواء الاقتصادية منها والتى تهدد العديد من دولها، أو ملفات الأمن والارهاب، أو أخطار الهجرة غير الشرعية، أو حتى مراقبة الحدود البحرية مع ليبيا.
فما الذى كان يتوقعه بالضبط سامح شكرى خلال زيارته لإسرائيل؟.. وما هى الأهداف التى نجح فى تحقيقها بعد أن أقدم على خطوة فى غاية الخطورة، تصب فى صالح إسرائيل، بموافقته على الاجتماع مع نتنياهو فى القدس ــ حتى ولو كانت الغربية ــ وليس فى تل أبيب؟
المبرر المنطقى الوحيد الذى كان يمكن فهمه وقبوله لزيارة شكرى لإسرائيل فى هذه الظروف وهذا التوقيت، هو بحث انعكاسات جولة نتنياهو الأفريقية الأخيرة على الأمن القومى المصرى، وعلى العلاقات مع إثيوبيا، ومدى تأثير الاتفاقيات التى وقعتها مع إسرائيل على تشددها فى مفاوضات سد النهضة مع مصر، وربما – إذا احسنا الظن بالزيارة – فإنها ستكون مجرد بوابة لزيارة نتنياهو المرتقبة للقاهرة لبحث هذه الملفات الصعبة معه، وهى قضايا لم يشر إليها أى مسئول مصرى أو إسرائيلى.
المناخ السياسى العام فى مصر، لا يوحى بالتفاؤل بتحقيق انجازات حقيقية من وراء العلاقات الدافئة مع إسرائيل، فحكومة نتنياهو لاتزال تدعم الاستيطان غير الشرعى فى الأراضى الفلسطينية، وملف غزة أصبح فى حوزة تركيا بأوامر أمريكية صارمة لأردوغان، ولا دور مؤثرا لمصر يمكن أن تلعبه، خاصة أن علاقتها بحماس ليست فى أفضل أحوالها، وهى أوضاع لا تضع أمامنا إلا تساؤلات حائرة حول ما يتردد عن دور مصر فى «توسيع كامب ديفيد»، وعلاقة ذلك بالتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، أو حتى حقيقة رغبتها فى تقوية العلاقات مع إسرائيل لاحتواء العلاقات المرشحة للمزيد من التوتر مع إيطاليا وربما مع بعض الدول الغربية الأخرى، على خلفية مقتل ريجينى.
الانطباع العام لدى البعض – وأنا منهم ــ ان زيارة شكرى لإسرائيل مجرد خطوة صغيرة فى استراتيجية كبرى يتم الترتيب لها فى الكواليس، ولا أعتقد أن انكشاف تفاصيلها سيستغرق وقتا طويلا!
محمد عصمت