أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب، قبل ثلاثة أشهر، انسحابها من الاتفاق الذى وقّعته الإدارة الأمريكية السابقة بشأن مسألة المشروع النووى الإيرانى، واستئناف العقوبات الاقتصادية ضد إيران. وأُرفق هذا الإعلان بلائحة من 12 بندا عرضها وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، فى صلبها المطالبة بإحداث تغيير جوهرى، تام وشامل، فى السلوك الإيرانى ــ من مسألة المشروع النووى، مرورا بنشاطها فى سوريا والعراق ولبنان واليمن ووقف دعم الإرهاب، وانتهاء بوقف انتهاكات حقوق الإنسان. واليوم، مع دخول العقوبات الأمريكية ضد إيران فى حيز التنفيذ، ثمة حاجة ملحة إلى تقديم إجابات على ثلاثة أسئلة جوهرية ومحددة كانت قد طُرحت قبل ثلاثة أشهر.
• الأمريكيون ليسوا وحيدين
هل باستطاعة الولايات المتحدة وحدها، من دون الدول العظمى الأُخرى التى تعارض انسحابها من الاتفاق، وضع برنامج عقوبات مؤلم وفعال ضد إيران وتنفيذه؟
اتضح الجواب عن هذا السؤال حتى قبل فرض العقوبات اليوم. فقد عززت منظومة «العقوبات الثانوية»، التى اصطدم بها مديرو الشركات الدولية ــ الذين يفضلون سحب استثماراتهم من إيران على المخاطرة بعلاقاتهم بالولايات المتحدة ــ فاعلية العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب. ولم تنجح الدول الأوروبية، على الرغم من إصرارها السياسى على التمسك بالاتفاق، فى خلق آليات تشجع الشركات على مواصلة التعاون التجارى مع إيران.
العقوبات التى فُرضت اليوم على قطاعات السيارات، تجارة المعادن (بما فيها الذهب)، صفقات الفحم والقيود على التبادل التجارى بالدولار الأمريكى هى عقوبات جدية جدا، فى مدى حجمها وعمقها. وهى تأتى فى توقيت سيئ جدا بالنسبة إلى الإيرانيين الذين يعانون أصلا جرّاء أزمة اقتصادية متفاقمة باستمرار: توقف النمو الاقتصادى، ارتفاع معدلات التضخم المالى ومعدلات البطالة. وقد أدى انعدام ثقة الجمهور الإيرانى بالاقتصاد الوطنى والتخوف من العقوبات إلى هبوط حاد فى قيمة الريال الإيرانى الذى تراجع كثيرا فى مقابل الدولار الأمريكى منذ دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض. وهذا التراجع الحاد فى قيمة الريال يرغم البنك المركزى الإيرانى على رفع نسب الفائدة، وهو ما يخلق مصاعب جديدة ويعمق القائمة منها أمام الاستثمارات والنمو الاقتصادى فى إيران.
• هل نشهد عودة إلى المفاوضات؟
فى حال تحقيق أثر اقتصادى جدى، هل ستكون العقوبات قادرة على إحداث تغيير فى سلوك النظام وزعزعة استقراره؟ هل سيوافق النظام على العودة إلى طاولة المفاوضات ويتيح التوصل إلى اتفاق جديد أفضل، بالمعايير الأمريكية والإسرائيلية؟
يبدو هنا أن الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية العليا، التى اقتبست وسائل الإعلام تقديراتها هذا الصباح، تعانى من تفاؤل مفرط يصل إلى حدّ الوهم والخيال. فالجزم بأنه قد «تم تركيع إيران»، وبأن «إيران فى حالة خوف هستيرى ومستعدة لإعادة فتح الاتفاق للمناقشة ليشمل وقف نشاطها السلبى فى الشرق الأوسط، ولجم عمليات تطوير الصواريخ الباليستية، بل وحتى تحسين الوضع فى مجال حقوق الإنسان» هو أكثر ملاءمة لعمل مكتب دعائى منه إلى هيئة استخباراتية جدية.
يتمتع الإيرانيون بنَفَس اقتصادى طويل وعميق بفضل الكم الكبير من احتياطى العملات الأجنبية، الذى يكفى لتمويل عمليات الاستيراد فترة لا تقل عن سنة ونصف السنة. وعلى الصعيد السياسى الداخلى، لا يبدو أن التظاهرات فى شوارع المدن الإيرانية تشكل تحديا للنظام حتى الآن، وهو الذى يعتمد على القوة الداخلية الكبيرة التى تتمتع بها قوات «الحرس الثورى»، وقوات «الباسيج» والمؤسسة الدينية المستقرة والمتماسكة. ربما تصل إيران، فى نهاية حملة العقوبات، إلى نقطة تقرر فيها استئناف المفاوضات، غير أن قدراتها المثبتة فى مجال إدارة المفاوضات، إلى جانب الدعم المرتقب من روسيا، والصين والدول الأوروبية، ستحول بالتأكيد دون تقديمها تنازلات مبالغ فيها فى المسألة النووية، أو التخلى عن مطامعها فى الهيمنة الإقليمية، أو قبول تعريض النظام للخطر بإطلاق سراح معارضيه.
وقد أعلن الرئيس روحانى، فى خطاب متشدد مؤخرا، أن إيران لن تتفاوض مع مَن خرق اتفاقا سابقا وفرض عليها عقوبات «بصورة غير قانونية». والقائد الأعلى، على خامنئى، قرر اعتماد سياسة «اقتصاد المقاومة» الذى يفترض أن يواجه العقوبات بنجاح ملحوظ، وبصورة خاصة بمساعدة كل من الصين وروسيا.
• إيران قادرة على تحدى الغرب
هل سيرفض الإيرانيون تعديل الاتفاق النووى ويختارون اعتماد سياسة المواجهة؟ ما هى سمات هذه السياسة وما هى مخاطرها؟
يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل الاستعداد لتفاقم الأزمة وللسيناريوهات التى تقرر فيها إيران تحدى الغرب. سلة الإجراءات والسيناريوهات الموضوعة على الطاولة منوعة، وبعضها خطر وقد يقود إلى صدام عسكرى. يستطيع الإيرانيون إعاقة حركة ناقلات النفط فى مضيقيْ هرمز وباب المندب؛ مهاجمة قوات أمريكية فى العراق وسوريا، الانسحاب من الاتفاق النووى واستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم (تحت ستار المشروع المدنى)؛ وأيضا قــد تستهويهم – وهذا احتمال ضئيل ــ العلاقة الجيدة التى حظى بها كيم جونغ أون فى سنغافورة وينطلقون نحو امتلاك قنبلة نووية.
إن العمل المسئول الذى يحتمه الواقع يقتضى الاستعداد لتوقعات أكثر واقعية، قد تجعل من الضرورى المبادرة إلى خطوات مضادة بغية إبعاد إيران عن حافة امتلاك القدرة النووية أو وقف تقدمها نحو القنبلة النووية.
عاموس يادلين
غلوبُس
رئيس معهد دراسات الأمن القومى
مؤسسة الدراسات الفلسطينية