طوال تاريخها، حرصت جماعة الإخوان المسلمين على أن تمارس نشاطها الجماهيرى كجسد له رأسان.. الأول دينى يهتم بشئون الدعوة والشريعة وتربية المجتمع إسلاميا.. والثانى سياسى يناور ويتحالف مع خصومه العلمانيين ــ كما حدث مع الوفد فى انتخابات 84 ــ دون أن يشعر أى عضو بالجماعة بأى ذرة من تناقض!
ومع هذا الخلط بين ما هو دينى مقدس، وبين ما سياسى متغير يعتمد على تحقيق المصلحة قبل المبادئ، ارتكب الإخوان أبشع أخطائهم فى حق الدين والسياسة معا.. ففى ظل هذا الخلط، من السهل أن يقتلع الإخوان أو من يؤيدهم مفاهيم «الحرام والحلال» من مجال العبادات والمعاملات إلى ميدان السياسة والعمل العام ــ مستندا إلى أن الإسلام دين ودنيا ــ لتكفير الخصوم السياسيين،أو على الأقل لتشويه صورتهم وسط جماهير الناخبين التى يعانى معظمها من أمية سياسية مزمنة، وقلة خبرة بممارسة العمل الحزبى منذ ما يزيد على الخمسين عاما.. حيث لم تعد هناك إجابات واضحة لدى الكثيرين حول ما إذا كان الخلاف مع الإخوان فى أى قضية سياسية يعنى الخلاف مع الإسلام نفسه، أو مع فهمهم هم للإسلام؟!.
وخلال سنوات طويلة نجح الإخوان بجدارة فى بناء تنظيمى قوى وفعال، لم تستطع الضربات الأمنية التى تلقاها منذ نشأته أن تقضى عليه، كما نجح الإخوان فى بناء إمبراطورية مالية واقتصادية ضخمة تخطت حدود مصر إلى المستوى العالمى..وقبل ذلك خاض الإخوان معارك وطنية ضد الصهاينة فى فلسطين عام 1948، وكذلك نجحوا فى القيام بنشاطات خدمية واسعة وسط الطلاب والفقراء ومحدودى الدخل فى الأحياء الشعبية بالقاهرة والمحافظات دعمت قاعدتهم الانتخابية فى البرلمان والنقابات وهيئات التدريس وغيرها.
ومع ذلك، فقد بدا حصولهم على 88 مقعدا فى مجلس الشعب وكأنه تحقق على جثة الأحزاب وعلى أشلاء التجربة الحزبية.. فهم قبلوا المشاركة فى برلمان ويعرفون أنه جاء بالتزوير، ووافقوا على قيام الحزب الوطنى بسلب مقاعد البرلمان وسرقة إرادة الناخبين، فهم بعضويتهم فى هذا البرلمان يشاركون فى التغطية على جريمة السرقة هذه، وهى خطوة يمكن تبريرها وقبولها سياسيا، لكنه لا يمكن بأى حال من الأحوال قبولها أخلاقيا أو دينيا..
وعلى كل حال، لم يحقق الإخوان أهدافهم السياسية التى تنازلوا من أجلها عن ثوابت أخلاقية، بعد أن أصبحوا يواجهون غضبا حكوميا عارما لن يهدأ قبل أن يطيح بهم خارج الحلبة السياسية، حتى يصل قطار التوريث، وهو يقل جمال مبارك إلى محطته الأخيرة.
فهل يدرك الإخوان الآن أنهم بحاجة ماسة إلى ثورة فكرية كبرى تفصل بين ما هو سياسى وما هو دعوى، قبل أن تضطرهم ظروف سياسية تالية إلى الاشتراك فى جرائم انتخابية أخرى!
mesmat@sorouknews.com