«نعيد تانى من الأول» هكذا علق صديقى على المشهد العبثى بخروج مبارك ودخول الإخوان فى السجون وعودة البرادعى إلى النمسا. تأملت كلامه وبجدية تساءلت: هل فعلا عدنا إلى نقطة الصفر؟ هل عدنا إلى ما قبل ٢٥ يناير؟ هل ضاعت هذه الأعوام المنصرمة هباء؟
الشبه كبير بين اليوم والأمس فمع سيادة الدولة البوليسية وعودة تفجيرات التسعينيات يشخص مبارك بملامح دولته كل يوم فى الأحداث ويجبرنا على التندم على ضياع الفرص. ورغم كل ذلك فقد تعلم الشعب المصرى الكثير من الدروس ولا نبالغ إذ قلنا إن هناك تغيرات فى الشخصية المصرية بدأت تتبلور.
تعلمنا أن من قتل مصريا يرحل ولو بعد حين، شاهدنا مبارك يتنحى وحين رأينا الدماء على أسوار الاتحادية أدركنا أن مرسى سيلقى نفس المصير.
تعلمنا أن الاحتماء والاستقواء بفصيلك لا يقويك بل يجعلك عرضة لتهافت الناس عليك فتعجز عن فعل أى شىء أو اصلاح أى شىء وستكون أنت وفصيلك أول الضحايا. تعلمنا أن بالاستقواء بشعبك وبتوحيد إرادته تستطيع أن تنقل الثورة إلى مؤسسات الدولة وأنه بدون توافق قوى لن تتقدم الثورة بل ستخمد.
تعلمنا أن سوء ترتيب الأولويات يفقدك الفرصة والتى قد تكون الأخيرة. ماذا قدم مرسى وجماعته فى ملف اصلاح الشرطة؟ عين الوزير الذى تعاون على حبسه وقبض على جماعته. ماذا قدم الإخوان والسلفيون من برنامج سياسى أو «المشروع الإسلامى» كما يسمونه؟ خيبة فى فهم الاولويات وممارسة سياسية غير أخلاقية فأضروا الدعوة والدين وأنهوا ما يسمى بالمشروع الإسلامى».
●●●
«الحلول الأمنية لا تجدى والدم يدفع لمزيد من الدم» هذا درس عرفناه فى التسعينيات ولازلنا نشهده فى العراق وسوريا ولا تتعلمه السلطة أبدا، وقد أكد عليه البرادعى فى بيانه الأخير وبدأنا نتجرعه فى محاولة الاغتيال الخسيسة لوزير الداخلية.
لا عصمة لأى زعامة سياسية ولا اتباع بدون فهم أو تفكر، فكم من زعامات امتلأت بها الشاشات ثم ذهبت وولت وكم من رجال غيروا وتغيروا فاختلط المؤيد مع المعارض على كرههم أجمعين.
تعلمنا أن الشهادة ينالها من يريدها ولا تنال من لا يستحقها ويرزقها الله لمن يشاء، وفى قول آخر دارج أن أولاد «....» لا يموتون وأن من يموت هم أخير الناس.
اتضح لنا بأنه لا يوجد إعلام محايد وأن المهنية باتت شيئا نادرا، وكل فصيل يستمع إلى ما يطرب سمعه ويكذب الآخر ومع ذلك فلا يمكن تكميم الأفواه ولا منع الحقيقة بعد أن تحول كل مواطن إلى مراسل صحفى بفضل الكاميرات والتليفون المحمول وتحول كل بيت إلى مركز لجمع المعلومات بفضل الإنترنت والفضائيات.
نشهد بأن كرسى السلطة فتنة لكل من يجلس عليه ولا ينجو منها إلا القليل، فكم من وعود سمعناها لم تنفذ وكم تعهدات انتهكت وكم من كلام معسول قيل بالنهار ولعق بالليل.
أظهر استفتاء ١٩ مارس أن المعركة الحقيقية هى معركة الوعى، فالذى حسم الاستفتاء هو معركة الهوية المفتعلة واستخدام الدين فى غير محله بالإضافة إلى رغبة الجموع فى الاستقرار بمسار نعم والذى ثبت فيما بعد أنه مسار مليء بالمطبات والزلازل.
●●●
تشابه المشهد ليس معناه أن البدايات كانت خطأ أو أنه مشهد النهاية، ٣٣ شهرا من التعلم والتغيير والدم كانوا وسيظلوا لبنات فى بناء وطن حديث وقد قسم المشهد الناس إلى متفائل ومتشائم.
إلى السادة المتشائمين أوجه رسالتى: أنت نقطة فى بحر التاريخ وزمنك هو سطر فى مطابع الزمن، ليس عليك إدراك نتائج عملك، كل ما عليك هو القيام بما يراه ضميرك حقاً فى التوقيت المناسب والتعلم من أخطائك والبناء على مكتسباتك وتحسين قدراتك والاستغفار عن هناتك وسقطاتك فتلقى ربك وقد اجتهدت.
إلى السادة المتفائلين: أنتم قلة والمجتمع يحتاج إليكم، فهونوا عليه وتحركوا فيه برفق فكل مواطن له ظروفه ونقاط ضعفه ولكل مواطن مستوى من القدرة والتحمل، فلا تلوموا أحدا أو تعنفوه واشرحوا للناس أن بناء الأوطان يحتاج إلى الصبر والإرادة وأن النهاية السعيدة تكون لمن يعيش لها.
هذا الشعب يتعلم سريعا ويسامح سريعا وحليم وصبور جداً ولكنه يعرف طريقه وسيقف خلف جيل تتشكل قياداته الآن فى المستقبل.
إنها ثورة صنعها ويصنعها أبطال، ربما لن يجنوا ثمارها ولكن بالتأكيد سيسعدوا بالنهاية، فهى معركة نقاط وليست معركة صفرية وفيها المد والجذر وواجبنا هو العمل على المد باستمرار.
سياسى ومدرس بكلية الطب ــ قصر العينى