كشف الهجوم العنيف الذى تعرض له د. محمد البرادعى بمجرد تجاوبه مع دعوات ترشحه لرئاسة الجمهورية، عن أن «جهة رسمية ما» فى مصر تقف ضد أى تطور ديمقراطى تظهر بشائره فى الأفق..
فهذه الجهة التى تمتلك سلطة إصدار قرار لوسائل إعلامنا الرسمية «بالضرب تحت الحزام» ضد رجل بحجم وقيمة د. البرادعى، تصر على تفريغ نظامنا السياسى الذى يعتمد على التعددية من محتواه الديمقراطى، ليصبح هذا النظام بأحزابه وبرلمانه وكافة مؤسساته مجرد ديكور فى مسرحية بايخة يقاطعها الجمهور.. دون أن ينتبه الكثيرون من أهل الحكم إلى أن هذا «الوضع المخل» يفتح الأبواب أمام الفوضى والتطرف ويهدد بانهيار النظام السياسى كله، بعد فشله وظيفيا وسقوط سمعته جماهيريا..!
وفى سياق التنافس على إثبات الولاء، فشل الأوركسترا الحكومى خلال عزفه النشاز لسيمفونية «تشويه» وطنية البرادعى فى مناقشة أى قضايا جادة، فلا أحد مثلا سأل البرادعى عن برنامجه السياسى الذى سيخوض به الانتخابات.. ومن هم مستشاروه الذين سيعتمد عليهم فى اتخاذ قراراته المهمة..
وكيف سيوظف علاقاته الدولية فى تحقيق أهدافه السياسية.. فحتى الآن لايزال البرادعى مرشحا مجهولا لم يعرف أحد فى بر مصر أفكاره الرئيسية فى شئون الحكم.. وهذا يوضح أن الكثيرين الذين يؤيدونه يفعلون ذلك ليس اقتناعا بأفكاره ــ فهو لم يفصح عنها بعد ــ ولكن كفرا بسيناريوهات التوريث.. وإيمانا بأننا نستحق نظاما سياسيا جديدا ورشيدا!
وقد جاءت رغبة البرادعى للترشح بعد أكثر من 30 سنة عاشت فيها أجيال فى مصر فى ظل وهم كبير يسمى «التعددية الحزبية»، واستمرار الحزب الوطنى فى احتكار أجهزة الدولة التى يضعها فى جيبه الصغير، بداية من الشرطة والإعلام والمحليات والبرلمان نهاية بالمطافى.
وأتصور أن البرادعى كرئيس لن يسمح بهذه التجاوزات، وسيحرص إذا أصبح رئيسا على الفصل الحقيقى بين السلطات، وحيادية أجهزة الدولة.. فثقافة الرجل القانونية وتاريخه الليبرالى ومعايشته للصراعات داخل الوكالة الذرية أعطته لمسة «براجماتية» تجعله يرضى بالحلول الوسط.. وهى كلها مؤهلات تسمح له بالترشح لانتخابات الرئاسة التى أحلم أن يخوضها معه عمرو موسى ورؤساء الأحزاب بجانب الرئيس مبارك.. والأصلح ينجح!