وسط جبهات القتال السياسى والحروب الأهلية الصغيرة التى تندلع منذ عدة أسابيع بين التيارات الدينية والمدنية، يشعر ملايين المصريين بالخوف من أخطار أكبر يحملها المستقبل، ومن سيناريوهات دامية، يمكنها ان تعرض البلاد إلى خطر تقسيمات جغرافية، بعد ان انقسمت سياسيا وثقافيا بالفعل بين الطرفين!
فالقوى الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، يتصرفون الآن وكأنهم يخوضون «معركتهم الأخيرة»، ويرون أنهم إذا انهزموا فيها فلن يعودوا لحكم مصر أبدا، بعد أن شعروا أن شعبيتهم تنهار وسط قطاعات واسعة من المصريين، كانت فئات كثيرة منهم تؤيدهم وتعطيهم أصواتهم فى الانتخابات، والذين شعروا بأنهم تعرضوا لخديعة كبرى من سوء أداء الإخوان السياسى رغم وصولهم للحكم، وفشلهم فى الوفاء بوعودهم وعلى رأسها توفير 200 مليار جنيه استثمارات اجنبية ستحل مشاكل الفقر للأبد فى مصر، وكذلك فشلهم الذريع فى حل مشاكلنا الخمس الكبرى فى 100 يوم، وأخيرا من شراستهم ضد خصومهم فى مؤسسة القضاء، وفى معركتهم الدموية ضد معتصمى قصر الإتحادية.
أما التيارات المدنية، فقد دفعت فاتورة غالية سحبت من رصيدها الجماهيرى، بدأت مع انقسام شباب الثورة إلى عشرات إن لم يكن مئات الائتلافات الثورية، وسقوط النخبة المختلفة فيها فى مستنقع الأنانية السياسية، وانشغال بعض رموزهم بطموحاته الشخصية فى الوصول إلى مقعد الرئاسة فى القصر الجمهورى.
ومع انسداد كل الطرق المؤدية لحل سلمى ديمقراطى بين الطرفين، لن يكون هناك طريق أمامهما سوى المضى فى طريق العنف، والذى تؤججه أصوات متطرفة محسوبة على التيارات الإسلامية التى تتصور واهمة أنها تحارب معركة الله، وهى تطلق صيحات هيستيرية بتصفية العلمانيين «الكفرة» الذين يحاربون شرع الله، وقد رأيت بنفسى احد هؤلاء الشيوخ وهو على مشارف الثمانين من عمره يخطب فى مؤيديه طالبا منهم قتال القوى المدنية.. وفى المقابل هناك مئات الآلاف من شباب الثورة الذين خاضوا معارك طاحنة ضد قوات الامن خلال الشهور الماضية، وقد سمعت من بعضهم انهم سيخوضون معارك بالسلاح إذا ما فرضتها عليهم التيارات الإسلامية!
ما يجرى الآن تحت السطح من فوران سياسى واجتماعى، ينذر بمخاطر ستطيح بالجميع، لن ينجو منها أحد، وقد نجد أنفسنا فى لحظة من اللحظات بين اختيارين أحلاهما بطعم العلقم، إما أن نخوض فى بحور من الدم بانتظار فوز أحد الطرفين ليفرض شروطه المهينة على المهزوم، أو أن نفتح الباب أمام الجيش ليفرض الأحكام العرفية، ونعود من جديد إلى نقطة الصفر..
نحن الآن فى أشد الحاجة إلى صوت العقل، وإلى كتابة عقد اجتماعى وثقافى جديد، ينظم حياتنا السياسية، ويقتلع منها مصطلحات العنف والتكفير والادعاءات الكاذبة من بعض التيارات الإسلامية باحتكار تفسير الدين.. نحن ــ فى الحقيقة ــ محتاجون إلى ثورة إصلاح دينى يشعلها عقلاء الامة الذين هربوا للأسف إلى الصفوف الخلفية وتركونا للغوغائية تفترس حياتنا قبل عقولنا!