انخرطت مواقع التواصل الاجتماعى، والفضائيات، وأقلام كتاب الصحف، وتعليقات الجمهور فى نوبة من الضحك، وأحيانا السخرية والتندر على ما حدث فى جلسة الإجراءات الأولى لمجلس النواب، وبدا أن هناك ما يشبه «التربص المبدئى» بالمؤسسة التشريعية التى تشكلت أخيرا.
وقد تلقف البعض ما حدث فى الجلسة الأولى من ارتباك ومشاحنات وانفلات مثل العطشان الذى وجد ماء بعد طول انتظار، فالمجال العام مقيد، وغير مسموح عمليا بالتجاوز فى العلاقة مع السلطة السياسية، من هنا استغلت أطراف عديدة تشكل البرلمان لملء فراغ مهم من الجدل السياسى، تستعيد من خلاله خطابات الهجاء، والنقد، والشغب الذى كان يهيمن على الساحة العامة قبل ثورة 30 يونيو 2013. وأعطى بعض نواب المجلس فرصة للإعلام كى ينشط، فالعلاقة بينهم علاقات تبدلية عميقية، فهم يقتاتون بسلوكياتهم وأحاديثهم على الإعلام. ولم يكن مستغربا أن ينتقد الجمهور البرلمان فى أولى جلساته، فقد أحاط لغط بعملية انتخابه، خاصة ما اصطلح على تسميته باستخدام المال السياسى، وهو المعادل لاستخدام الدين فى الانتخابات السابقة، وكما أن المجتمع كان مهيئا لانتقاد البرلمان الذى تشكل فى نهاية 2011، أصبح كذلك مهيئا لانتقاد هذا البرلمان، لأن ولادته كانت متعسرة، ومصداقيته محاصرة، وشاب انتخابه قيل وقال، وتدخلات من هنا وهناك، رغم أنه عمليا يضم بعض الوجوه الجيدة التى لديها خبرات أفضل من أعضاء مجالس نيابية سابقة.
الإشكالية التى تحيط بهذا المجلس، وقد تستمر فى مجالس مقبلة لفترة زمنية هى غياب الكادر السياسى الذى يمكن أن يحتل موقعا فى المؤسسة التشريعية، وكان يجب تقوية الاحزاب السياسية، لأنها تشكل رغم كل الملاحظات السلبية على ادائها، القنوات التى تستوعب راغبى السياسة، وتوفر لهم بيئة مناسبة للتكوين، والتعلم، والنشاط فى المجال العام. ويرتبط ذلك بالنظام الانتخابى. فالانتخاب الفردى دون وجود قيادات سياسية أو كوادر مجتمعية يقود إلى ظاهرة «نواب المصالح» أو «نواب الخدمات»، ممن لا يمتلكون خبرات التواصل السياسى الحديث، والانتخابات وفق نظام القائمة تحتاج إلى أحزاب قوية، هى الحالة التى تفتقر إليها مصر. وإذا أردنا أن نجد برلمانا مختلفا بعد سنوات ينبغى أن نبدأ الآن فى تقوية الأحزاب السياسية، وتحويلها إلى مؤسسات فاعلة، وليست مجرد لافتات أو ساحات للجدل أو المنتديات للحديث، دور الحزب السياسى فى الشارع، فى الانتخابات، فى تقديم كوادر تصلح للعمل التشريعى، وأخرى تتولى مواقع تنفيذية. الانتخاب وفق النظام الفردى دون وجود أحزاب قوية يقود إلى ما نحن عليه، ولن تتغير الصورة فى المستقبل إذا ظل هناك حرص ذلك.
الضحك، والسخرية، والتندر على مجلس النواب الجديد يبدو للمراقب «مقصودا»، وهناك على ما يبدو من يريد أن يهز صورة هذه المؤسسة الوليدة التى طال انتظارها حتى لا يكون رهان المصريين عليها، أو نعود مرة أخرى إلى صورة مجلس الشعب القديم التى تطرده اللعنة فى أذهان المصريين.
ســــامـــح فــــوزى