حال الجامعات في الخارج.. والداخل - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حال الجامعات في الخارج.. والداخل

نشر فى : الجمعة 12 يناير 2024 - 7:45 م | آخر تحديث : الجمعة 12 يناير 2024 - 7:45 م
تكلمنا فى مقال الأسبوع الماضى عن الصعوبات التى يواجهها البحث العلمى، تكلمنا فى العام ثم ركزنا على مصر. كنت أزمع فى مقال هذا الأسبوع أن أتكلم عن تطور تكنولوجى معين وتأثيره وذلك حتى تتنوع المقالات بين ما هو عن التعليم وما هو عن العلم والتكنولوجيا وما هو عن تاريخ العلم، لكن جاءتنى رسالة من أحد القراء تعقيبا على مقال الأسبوع الماضى، وهذه الرسالة تتحدث عن موقف حدث له شخصيا فأحببت أن أكمل حديث المقال السابق بالتحدث عن الجامعات لأن الجامعة إحدى قلاع البحث العلمى الذى يعتبر أول الطريق للتكنولوجيا.
القارئ الكريم الذى تواصل معى يعمل فى السلك الأكاديمى وتم رفض ترقيته من درجة إلى درجة أعلى لأن بعض الأبحاث التى تقدم بها خارج التخصص، مثلا لو أنك تعمل فى هيئة التدريس بقسم هندسة الحاسبات وتقدمت ببعض الأبحاث المنشورة فى تخصص الهندسة الميكانيكية فستعتبر لجنة الترقيات هذه الأبحاث خارج التخصص لأن اللجنة التى تقيم أعمال الباحث هى لجنة تخصص هندسة الحاسبات والاتصالات والهندسة الكهربائية. قد ترى ذلك شيئا عاديا لكننا تكلمنا فى العديد من المقالات السابقة عن إزالة الحوائط بين التخصصات وأن العلم ليس غرفا منفصلة. ماذا لو كنت تعمل فى بحث يشمل عدة تخصصات وبالتالى الأبحاث الناتجة عن هذا البحث قد تنشر فى مجلات أو مؤتمرات علمية من تخصصات مختلفة، فماذا سيكون الحال؟
كنت قد قرأت مقالا فى جريدة أمريكية منذ أكثر من عقدين من الزمان يتكلم فى موضوع مشابه لكن كان يتحدث عن الجامعات فى أمريكا. المقال بدأ بسؤال مثير: لو تقدم العالم الكبير إسحاق نيوتن للترقية فى الجامعة هل سيتم ترقيته؟ نيوتن له أبحاث فى الرياضيات والفيزياء والميكانيكا فأى من الأقسام ستقيم أعماله؟ وهل ستتجاهل اللجنة الأبحاث فى التخصصات الأخرى؟
فى مقالنا اليوم نريد أن نتحدث عن حال الجامعات فى أيامنا هذه سواء فى الخارج أو الداخل.
...
هناك ثلاثة أماكن تقوم بالبحث العلمى:
• مراكز الأبحاث فى الشركات، مثلا شركات مثل جوجل أو ميتا أو مايكروسوفت لديها فرق بحثية كبيرة تقوم بالأبحاث التى تحددها استراتيجية الشركة وأهدافها.
• المكان الثانى هو معامل الأبحاث المستقلة، مثلا فى أمريكا توجد معامل وطنية كثيرة (national labs) وهى معامل أبحاث تحصل على تمويل من الدولة، هذا يكافئ عندنا المركز القومى للبحوث وأكاديمية البحث العلمى.
• المكان الثالث الذى يقوم بالبحث العلمى هو الجامعات. الجامعات عادة لها عدة أنشطة: التدريس والبحث العلمى وأنشطة لخدمة المجتمع مثل الاستشارات العلمية.
من حيث الإمكانيات فمراكز الأبحاث فى الشركات الكبرى عادة تمتلك إمكانيات أكثر بكثير من المراكز الأخرى تليها المعامل البحثية المستقلة ثم الجامعات. أما إذا نظرنا من ناحية المرونة وحرية اختيار البحث فإن الجامعات هى الأكثر مرونة تليها المعامل البحثية المستقلة لأنها وإن كانت مستقلة فإنها تكون ممولة من مؤسسات الدولة مثل وزارات الطاقة أو الدفاع أو الصحة وبالتالى يجب أن تعمل فى التخصصات التى تحتاجها تلك المؤسسات وإن كان عندها بعض المرونة فى اختيار الموضوع البحثى الدقيق. أما البحث العلمى فى الجامعات فيقوم به أعضاء هيئة التدريس، عضو هيئة التدريس له حرية الحركة فى اختيار الموضوع البحثى واختيار مصادر التمويل، وهذا يأخذنا إلى النقطة التالية: ما هى أفضل أنواع الأبحاث التى تقوم بها الجامعة؟
إذا تنافست الجامعة ومركز أبحاث تابع لشركة فى حل نفس المشكلة البحثية فغالبا الشركة ستسبق للحل لأنها تمتلك إمكانيات أكبر. قد تتعاون الجامعة مع الشركة فى هذا الموضوع فتمول الشركة البحث العلمى فى الجامعة حيث يعمل الأستاذ وطلبته لكن ستكون هناك قيود كثيرة على النشر. نقطة القوة التى يمتكها عضو هيئة التدريس ولا تمتلكها معامل الأبحاث فى الشركات هى المرونة كما قلنا وعدم التقيد باتجاهات شركة أو إحدى مؤسسات الدولة وعدم التقيد بخط زمنى للحصول على نتائج البحث قبل وقت معين حتى تصل للسوق قبل المنافسين. لذلك فالبحث العلمى فى الجامعة يجب أن يكون أكثر جراءة وإقداما لتجربة أسئلة بحثية مستقبلية وصعبة وبالتالى قد تقع فى منطقة العلوم البينية (interdisciplinary) أو تعتمد على تكامل عدة علوم (multidisciplinary) وهنا تحدث المشكلة مع لجنة الترقيات.
...
يجب أن تكون هناك لجنة تشمل خبراء من عدة تخصصات أو تتكامل اللجان، فمثلا لو تقدم باحث بعدة أبحاث أحدها فى تخصص أ والآخر فى تخصص ب والثالث فى تخصص ج فيجب أن تفحصها ثلاث لجان كل لجنة تفحص الأبحاث التى تقع فى تخصصها وتقيمها. يجب أن نزيل الحوائط بين العلوم، الباحث المتخصص فى نقطة صغيرة جدا لا يعرف غيرها وينشر كل أبحاثه فيها ليس هو الباحث الأمثل فى عصرنا حيث تتفاعل العلوم مع بعضها البعض وتحتاج باحثين يعرفون عدة تخصصات وكيفية التفاعل بينهم.
...
نقطة أخرى تتعلق بالبحث العلمى متعلقة بالأسماء المكتوبة على البحث، يبدو أن لجان الترقية عندنا فى مصر تحبذ الأبحاث ذات الاسم الواحد أى أن الباحث قام بكل العمل وحده. هذا معناه أنك تطلب من عضو هيئة التدريس أن يقوم بأبحاث علمية صغيرة وغير ذات أهمية فقط من أجل الترقية لأن العلم فى عصرنا أصبح أكثر تعقيدا بكثير من ذى قبل وبالتالى المشكلات البحثية المهمة تحتاج تكاتف عدة باحثين. أيضا عندما يضع الأستاذ أسماء طلبة على البحث فهذا معناه أن «درب» هؤلاء الطلاب على البحث العلمى وهذا مطلوب فى المجتمع الجامعى، أما إذا كانت أبحاثك كلها تحمل اسمك فقط فأنت لم تدرب أحدا ولم تتفاعل مع المجتمع العلمى حولك.
طبعا من نافلة القول أننا لا يجب أن نضع اسم شخص لم يكن له أى دور أو اكتفى ببعض الملاحظات فقط لأنه مدير المعمل أو المركز أو لأنه من حصل على التمويل، بمعنى أنك إذا وافقت على وضع اسمك على بحث لم يكن لك فيه دور فأنت «تسرق» مجهود الآخرين وتنسبه لنفسك.
...
الوقت قد حان لمراجعة الكثير من القوانين التى تحكم الجامعات فقد تغير العالم وتطورت العلوم.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات