مع انقسام الساحة السياسية إلى فسطاطين متصارعين بين التيارات المدنية والتيارات التى ترفع الشعارات الإسلامية، ومع تصاعد فتاوى قتل قيادات جبهة الإنقاذ التى أصدرها بعض الرموز المحسوبة على المعسكر الإسلامى وعلى رأسهم محمود شعبان ووجدى غنيم، واتهام أحد خطباء التحرير بالتحريض على قتل الرئيس محمد مرسى.. لن نكون بحاجة إلا إلى رصاصة واحدة فقط تنطلق تجاه صدر أحد الرموز الكبيرة من هذا المعسكر أو ذاك، لإشعال فتيل عشرات «الحروب الأهلية الصغيرة» فى القاهرة والعديد من المحافظات، وهى حروب لن تكون قاصرة فقط على تلك المحافظات التى تشهد اشتباكات ساخنة بين الأمن والمتظاهرين منذ عدة أسابيع، بل ستمتد إلى كل أنحاء الجمهورية، بما يهدد بسقوط الدولة المصرية نفسها!
هذا السيناريو الأسود، لا ينتظر سوى انطلاق هذه الرصاصة الطائشة، والتى يستعد لها الكثير من المتطرفين على الجانبين لحسم هذا الصراع المحتدم بينهما، والذى لا تبدو له نهاية سياسية وشيكة. كما أن هذا السيناريو البغيض أصبح له أنصار ومريدون، ربما يتعدى عددهم مئات الألوف ويشتد عودهم بمرور الوقت، ويكتسبون خبرات واسعة فى التعامل الميدانى مع رجال الأمن.
وإذا كانت الأسابيع الماضية، قد فاجأتنا بظهور لافت لمجموعات «البلاك بلوك» التى لن تجد صعوبة فى شراء السلاح، مع اتساع عمليات تهريب الأسلحة التى تتدفق على مصر من ليبيا أو السودان أو إسرائيل، فإن لدى الكثير من التيارات الإسلامية خبرات عسكرية تاريخية منذ حكم عبدالناصر والسادات ومبارك، يمكنها استدعاءها بسهولة، وهو ما هددت به فعلا قيادات إسلامية منهم عبود الزمر وغيره، إذا ما تعرض نظام الرئيس مرسى للسقوط بوسائل غير شرعية.
وقد يرى الكثيرون ــ وأنا منهم ــ أن لحظة المواجهة الميدانية بين هذين الطرفين لم تأت بعد، رغم أننا نسرع الخطى إليها، لكن المؤكد أن الجيش سوف يكون له حضور طاغ إذا انفلت العيار، واشتعلت المعارك على الأرض، وساعتها لن يستطيع أحد أن يلوم المؤسسة العسكرية، إذا قلبت المائدة فوق رأس الجميع وأعلنت الأحكام العرفية، وجمدت الأحزاب وصادرت الصحف وكل وسائل التعبير، لنعود إلى المربع صفر، ولنكون جميعا تحت رحمة جنرال قد يستهويه بريق السلطة كما حدث مع عبدالناصر ورفاقه، ولنعود فورا إلى ثقافة الرأى الواحد والصوت الواحد والزعيم الملهم، ولتكون ثورة يناير مجرد حلم ليلة صيف..!
الإخوان المسلمون وخلفهم الرئيس محمد مرسى يجروننا جرا إلى هذا المستنقع، برغباتهم المحمومة فى السيطرة على الدولة، وبعدائهم الصارخ لكل القيم النبيلة التى اندلعت من أجلها ثورة يناير، وبسياساتهم الفاشلة فى إدارة الصراع الاجتماعى، وانحيازهم لنفس سياسات مبارك الاقتصادية التى تعادى الفقراء ومحدودى الدخل، وبحيلهم المكشوفة لضرب المعارضة فى معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة بأسلحة السكر والزيت التى يتقنونها، وعبر قوانين انتخابية فصلوها على مقاسهم.. دون أن يدركوا أن رصاصة واحدة فقط كفيلة بهدم المعبد فوق رأس الجميع، وانهم سيكونون أول الخاسرين!