لا تستطيع عبارات التهديد والوعيد التى تصدر يوميا من قبل رئيس الولايات الأمريكية المتحدة، تجاه الأمة العربية، وعلى الأخص قضيتها الكبرى الوجودية فى فلسطين المحتلة، إلا أن تثير غضب واستنكار جميع سلطات وشعوب هذه الأمة.
من هنا الترحيب الواسع والإشادة بدعوة مصر لانعقاد مؤتمر قمة فى نهاية هذا الشهر، ومن هنا أيضا الآمال الكبيرة المعقودة على جدية وفاعلية القرارات والمواقف التى ستصدر من ذلك الاجتماع.
فتصريحات واقتراحات الرئيس الأمريكى، ومن ثم صنوه المجرم السفّاح نتنياهو الصهيونى ليست عبارات خلافات فى وجهات نظر سياسية وأمنية وإنما هى قرارات ومؤامرات مدروسة ومخططة لرجوع الاستعمار إلى كل أرض العرب والتحكم فى حاضر ومستقبل هذه الأمة.
وهى قرارات تنطلق من المبدأ الاستعمارى الاستئصالى الغربى الشهير القائم على الاستعلاء العرقى للرجل الأبيض على كل الأعراق الأخرى، وعلى كذبة أن هذا الرجل هو أكثر ذكاء وتمدنا وعقلانية وقدرة على إدارة شئون الإنسانية برمّتها، وعلى أن قتل أو تهجير الشعوب التى قد تقف فى وجه الرجل الأبيض هو ممارسة مقبولة حتى ولو كانت تتناقض مع كل شرعة وقيم وحقوق إنسانية.
فنحن اليوم أمام رجلين يريدون إرجاع كل مبادئ وقيم وأخلاقيات وسلوكيات الرجل الأوروبى الأبيض الذى قتل وشرّد وأفقر وعزل الملايين من السكان الأصليين فى أمريكا الشمالية والجنوبية وفى أستراليا ونيوزيلاند، والذى تمتع بكل صلف استعمار أغلب مجتمعات وشعوب الكرة الأرضية.
ولذلك فإن دعوتهما لتهجير سكان غزة، ومن ثم الاستيلاء على أرض غزة ، وتسمية مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، وكأنها ملكهما الخاص، كأوطان بديلة للمهجرين، والمناداة بضم الضفة الغربية لأملاك الكيان الصهيونى، والتهديد الأمريكى بإيقاف المساعدات لمصر والأردن... فإن كل تلك التصريحات المشينة والسلوكيات المقززة هى فى الحقيقة ليست أكثر من إرجاع لتاريخ الاستعمار الأسود وللأيام التى كان فيها الرجل الأوروبى متحكما فى مقدرات هذا العالم كله. ولكن مع إضافة عنصر جديد: التحاق مميز توراتى خرافى للاستعمار الصهيونى الذى بزّ فى جرائمه وقدراته التدميرية واحتقاره لكل القوانين والأعراف والقيم الأخلاقية كل ما فعله الرجل الأوروبى سابقا. ولكن أيضا مع انتقاء لضحية جديدة ممثلة فى الشعب العربى الفلسطينى حاليا فى الدرجة الأولى وفى كل الشعوب العربية مستقبلاً.
لن يسلم شعب عربى واحد ولا قطعة أرض عربية واحدة من هذه المؤامرة الاستعمارية الصهيونية القديمة ــ الجديدة ــ المتجددة وراء ألف قناع.
من هنا الأهمية الكبرى للاجتماع القادم، ليس فقط من أجل مواجهة المؤامرات المتناثرة العابرة وإنما أيضا من أجل اتخاذ قرارات جذرية ووضع خطوط حمر لمواجهة هذه الهجمة الأمريكية ــ الصهيونية التى قررت أن تفتح أبواب جهنم على كل الأمة العربية، فى كل حقل من حقول الحياة، بهدف إبقائها ممزّقة ومتخلفة وخاضعة على الأخص للأحلام والإملاءات الصهيونية.
إننا بانتظار أن يكون الاجتماع القادم صحوة حقيقية تاريخية وجودية تؤدى إلى رجوع الإرادة العربية المشتركة التى عانت الكثير من الطعنات، وإلى التحام قوى الدولة مع قوى المجتمع على مستويات الأقطار ومستوى الوطن العربى، وإلى بناء كتلة عربية ــ إسلامية تتمتع باحترام العالم وبالقدرة على ممارسة الأفعال والندّية فى مواجهة الأخطار المحيطة بكل دولها، وإلى زوال الاعتقاد من قبل البعض بأن الخلاص الفردى الذّاتى السّيادى للدول والأنظمة مقدم على الخلاص الجمعى السّيادى الشامل، وإلى الإدراك العميق الصادق بأن دخول منافسات عوالم التكنولوجيا والعلوم والأنظمة المتطورة فى السياسة والاقتصاد والأمن على الأخص لا يمكن أن تكون أبوابه مفتوحة إلا من خلال أنواع من توحيد الإمكانيات العربية والعربية ــ الإسلامية فى شتى المجالات، وبدون استثناء.
إننا نشعر بأن بداية ذلك الوعى قد أزف أوانها بعد أن عانى الجميع من مآسى النكبات وجحيم ضعف الإرادات الحرة المستقلة.