عندما تستحوذ صفقة القرن الكروية التى أعلن المستشار مرتضى منصور انه سيكشف أسرارها يوم السبت المقبل على بؤرة اهتمام الناس، وتتوارى أخبار الانتخابات الرئاسية إلى الهامش، فإننا بالقطع نعيش واحدا من أكثر المشاهد عبثية طوال تاريخنا السياسى!
الصراع الكروى بين الزمالك والأهلى على اللاعبين عبدالله السعيد وأحمد فتحى، أصبح يطغى على التنافس السياسى المفترض بين المرشحين الرئاسيين عبدالفتاح السيسى وموسى مصطفى موسى.. الشائعات حول قيمة الصفقة التى قيل إنها تتعدى الـ 40 مليون جنيه ألهت الناس عن متابعة برامج المرشحين عن الميزانية ومخصصات الأجور والصحة والتعليم، الجميع يعيشون على أحرِّ من الجمر بانتظار المؤتمر الصحفى المقرر عقده السبت المقبل لينهى فيه رئيس نادى الزمالك قلق الجماهير ويعلن عن اسم الصفقة النارية، فى حين لا أحد يدرى على وجه التحديد موعد الانتخابات الرئاسية، بل وربما لا يعرفون أساسا اسم المرشح المنافس للرئيس!
لا أحد يسأل كيف وصلت أولويات حياتنا إلى هذه الدرجة من «اللخبطة»؟ هل هناك مجتمع عاقل رشيد يجعل كرة القدم محور اهتماماته فى عز موسم انتخابات رئاسية؟ هل وصلنا إلى حلول لكل أزماتنا المعيشية المتفاقمة وأنهينا مشاكل المياه مع إثيوبيا وقللنا من معدلات الفقر والتضخم وأصبحت منتجاتنا الصناعية والزراعية تغزو أسواق العالم؟! هل وجدنا استراتيجية ناجعة لدحر الإرهاب؟
التفسير الوحيد لهذه الأوضاع هو أننا أمام مجتمع يتم تفريغ طاقاته الوطنية والإبداعية فى مجالات من المفترض أن تكون ترفيهية لكنها تجرى تحت إشراف أمنى، فكل مباريات الكرة تقام بموافقة الأمن، وفى الاستادات التى يختارها أو على الأقل التى لا يعترض عليها، وهو الذى يحدد عدد الجمهور التى يحضرها.
كل الآمال الكبيرة التى صاحبت ثورة 25 يناير فى إقامة نظام سياسى ديمقراطى حقيقى، يشارك فيه الجميع فى الشأن العام، وتجرى انتخاباته فى أجواء تعددية تنافسية، أصبحت كالدخان فى الهواء، فرغنا شعارات هذه الثورة خطوة وراء خطوة من محتواها، نظام 30 يونيو الذى جاء على أكتاف ملايين المتظاهرين فى الشوارع لم يعد يتحمل وجود عدة آلاف فى استادات الكرة، كل الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة أصبحت حبرا على ورق.
لم يعد هناك أحد فى مصر يحلم بمناظرة بين المرشحين للانتخابات الرئاسية، وحتى منافس الرئيس المفترض أن يسعى لعقدها فى أسرع وقت، قال إنه لا يرغب فيها؛ لأنه لن يستطيع مواجهة إنجازات الرئيس، ولم يعد أحد كذلك يهتم بالشائعات التى تتحدث عن وجود نيات مبيتة لإجراء تعديلات على الدستور تسمح بزيادة فترات ومدد الرئيس، بل لم يعد أحد يسأل ايضا عن الانتهاكات المستمرة التى يتعرض لها هذا الدستور المغلوب على أمره!!
ولم يعد أحد أيضا يستطيع أن يسأل عن برنامج الرئيس الانتخابى أو من يحاسبه إذا لم ينفذه، وهو موقن بأنه سيجد أى إجابة من أى نوع، فالبرلمان لم يقدم أى سابقة أعمال تشى بأنه يقوم بدوره الرقابى على السلطة التنفيذية كما تنص عليها صلاحياته التى وفرها له الدستور، والصحافة ووسائل الإعلام أصبحت تتعرض لضغوط وإغراءات أبعدتها عن مهمتها فى مناقشة القضايا التى تشغل الرأى العام بالقدر المطلوب من الحرية المنصوص عليها أيضا فى الدستور.
هذه الأوضاع المقلوبة فى حياتنا العامة لا تضمن استقرارا من أى نوع، ولا توفر أى فرص حقيقية لتحقيق أهدافنا القومية الكبرى، فغياب الجماهير عن الشأن العام، مثلما هو غيابها عن مباريات الكرة هو أسرع طرق لإضاعة أهدافنا الوطنية فى الهواء!