فى تاريخ العلاقة بين الاتحاد السوفيتى والصين - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الإثنين 25 نوفمبر 2024 5:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى تاريخ العلاقة بين الاتحاد السوفيتى والصين

نشر فى : السبت 12 مارس 2022 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 12 مارس 2022 - 7:50 م

فيما كان المعسكر الغربى قد رتب أوراقه وحسم أمر قيادته لصالح الولايات المتحدة على حساب كل من بريطانيا وفرنسا وخاصة بعد العدوان الثلاثى على مصر فى ١٩٥٦، فإن الأمر ذاته لم يكن بنفس الوضوح وبذات السرعة فى المعسكر الشرقى! ورغم أن ثمة اتفاقا بين الباحثين أن الاتحاد السوفيتى قد دشن زعامته للمعسكر الشرقى فور انتهاء الحرب الأهلية الصينية بفوز الشيوعيين على القوميين فى ١٩٤٩، وهروب الأخيرين إلى تايوان، إلا أن موضع الصين داخل المعسكر الشرقى ظل محل جدل.
فمن ناحية، لم تدع الصين زعامة المعسكر الشرقى ولا يوجد دلائل، على الأقل فى العقد التالى للحرب العالمية الثانية، أن الصين حاولت أن تنزع أو أن تتنافس مع الاتحاد السوفيتى على زعامة المعسكر الشرقى، ولكن ومن ناحية أخرى فهناك اتفاق تام بين الباحثين أن الصين لم تكن مجرد تابع للسوفييت مثلما هو الحال بالنسبة لدول الكتلة الشرقية فى أوروبا، فأين وقفت الصين تحديدا فى هذا المعسكر؟ وكيف أثّر ذلك على العلاقات مع الغرب؟
لا خلاف حول تمتع الزعيمين ستالين وماو تسى تونج بعلاقات قوية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل وتشير الدلائل أن ستالين هو من أقنع ماو بالاتحاد مع القوميين فى الصين حتى بعد هزيمة الأخيرين، بغية اتخاذ موقف موحد من إرث الاستعمار اليابانى، ونظرا لاتفاقية الصداقة بين ستالين والحزب القومى الصينى. لكن وبعد توتر العلاقات بين ستالين وشيانج كاى تشيك زعيم الحزب القومى الصينى بعد رفض الأخير ضم الاتحاد السوفيتى لمنغوليا، فقد أعطى ستالين لماو الضوء الأخضر للانفصال تماما عن القوميين، بل وقام ستالين فى ١٩٥٠ بعقد اتفاقية صداقة شاملة مع الصين الشيوعية تضمن تقديم الاتحاد السوفيتى لمساعدات اقتصادية وعسكرية للصين والتحالف معها حال تعرضها لهجوم من اليابان، كما شملت الاتفاقية أيضا تنسيق رؤية الجانبين للأيديولوجية الماركسية ــ اللينينية وكيفية تطبيقها سياسيا!
لكن تعقدت الأمور كثيرا بعد وفاة ستالين، حيث بردت العلاقات بين خروتشوف وبين ماو، بل وحينما قام الأول بتكثيف محادثاته مع دول الكتلة الغربية سعيا لتجنب المواجهات العسكرية المباشرة معها على النحو الذى شرحناه فى المقالات السابقة، فإن ماو قد جن جنونه وأخذ يتهم شيوعية خروتشوف بالمؤامرة على العالم الشيوعى، مدعيا أنها شيوعية إمبريالية وهو ما كان كافيا لتتوتر العلاقة بين العملاقين الشيوعيين!
• • •
كان الاتحاد السوفيتى يحاول مساعدة الصين وماو فى التحول من مجتمع زراعى إلى مجتمع صناعى بشكل تدريجى وذلك حتى تتوافر أسس الثورة العمالية التى بشرت بها الأيديولوجية الماركسية ــ اللينينية، لكن ودون استشارة السوفييت، فإن ماو قرر بشكل متعجل إحداث ثورتين إحداهما صناعية والأخرى زراعية عن طريق تطبيق برنامج عرف باسم «القفزة العظيمة إلى الأمام» بتقسيم البلاد إلى مجموعة من المجمعات الإنتاجية الصغيرة التى تعتمد على الاكتفاء الذاتى مع منحها ما يلزم من الأدوات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق هذه الثورة المنشودة، ورغم تحذيرات كثيرة لماو من خطورة هذه الخطة وتأثيرها على المحاصيل الزراعية، إلا أنه لم يأبه بها وأصر على تحقيق خطته والتى تسببت فى واحدة من أسوأ المجاعات فى العالم الحديث حيث تشير الإحصاءات أن بين ١٥ و٥٠ مليون مواطن صينى قد قضى نحبه بسبب المجاعات التى طالت البلاد فى تلك الفترة (١٩٥٨ــ١٩٦٢)، وبدلا من أن يعترف ماو بالكارثة فإنه سعى إلى قمع معارضى سياسته التنموية ووضعهم فى السجون تحت ما يسمى بـ«الثورة الثقافية» والتى ادعى فيها قيامه بتنظيف البلاد من «الخونة» للأيديولوجية الشيوعية وتمكين جيل جديد من قيادة البلاد، وخصوصا بعد أن اتهم الاتحاد السوفيتى صراحة بالتسبب فى المجاعات التى ضربت الصين!
فى خلال تلك السنوات الأربع كانت العلاقات تتباعد بين خروتشوف وماو بشكل أكبر من المتوقع ــ بما فيها توقعات المحللين الغربيين أنفسهم ــ حيث قام خروتشوف بوقف برنامج المساعدات السوفيتية إلى الصين ومهاجمة سياسة الصين ضد تايوان لأنها قد تدفع إلى حرب عالمية نووية، بل وتشجيع ثورة إقليم التبت ضد حكومة بكين، بل ووصل الأمر أيضا إلى قيام الاتحاد السوفيتى بدعم الهند ضد الصين فى ظل النزاع بين الصين والهند على كشمير ووقف برنامج الإمدادات النووية السوفيتية إلى بكين، مع سحب ١٤٠٠ فنى سوفيتى من الصين كانوا يعملون على عشرات البرامج المشتركة بين البلدين، وفى المقابل تحالفت الصين مع ألبانيا فى ظل الخلافات بين الأخيرة مع الاتحاد السوفيتى، وهكذا بحلول الستينيات كانت الأمور واضحة، نحن لسنا أمام حرب باردة بها معسكران، بل ثلاثة معسكرات، معسكر سوفيتى وآخر صينى فى مواجهة المعسكر الغربى، وهو الأمر الذى استغله الأخير لصالحه بكل تأكيد!
كان ما يشغل بال الأمريكان بالذات هو عدم امتلاك الصين للقنبلة النووية، ولذلك حاول الرئيس الأمريكى كينيدى وضع خيارات لمنع الصين من إكمال برنامجها النووى، واستغلالا للعلاقات المتوترة بين الصين والاتحاد السوفيتى، عرض كينيدى على الاتحاد السوفيتى القيام بعملية عسكرية مشتركة لمهاجمة البرنامج النووى الصينى، إلا أن الاتحاد السوفيتى رفض العرض لعدم مساعدة الأمريكان بتحقيق غرضهم فى ضرب المعسكر الشرقى، ورغم ذلك فقد استمرت العلاقات المتوترة بين الصين والسوفييت وتصاعدت حدتها عام ١٩٦٨ حينما بدأت بعض المناوشات العسكرية على الحدود بين الدولتين!
• • •
كانت روسيا قد أرغمت إمبراطورية الصين وقت حكم أسرة التشانج للصين (١٦٤٤ــ١٩١٢) على التنازل عن أراض صينية لروسيا وأرغمتها على توقيع اتفاقية إذعان للاعتراف بهذا التنازل، وهو ما دفع ماو إلى مطالبة الاتحاد السوفيتى الاعتراف بالحقوق التاريخية للصين فى هذه الأراضى، وهو ما رفضه الاتحاد السوفيتى بشكل قاطع لتندلع النزاعات الحدودية بين الطرفين، بل ووصل الأمر إلى قيام حرب جواسيس بين البلدين وخصوصا فى المناطق الحدودية وهى الحرب التى وترت العلاقة بشكل أكبر بينهما، إلا أن ماو المجهد من حروبه الداخلية لقمع ثورات الأقليات الصينية ضده (التبت، والأتراك)، فضلا عن نزاعاته مع الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة وتايوان، قد قرر أن يهدئ العلاقات مع الاتحاد السوفيتى مع بداية السبعينيات وخاصة بعد أن تمكن برزنيف من إزاحة خروتشوف عن حكم الاتحاد السوفيتى قبل ذلك بسنوات.
لكن لم تكن الولايات المتحدة لتفوت تلك الفرصة أبدا، فمستشار الأمن القومى الأشهر هنرى كيسنجر كان يجهز لمفاجأة من العيار الثقيل حينما تمكن من تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة والتى توجت بالزيارة الشهيرة للرئيس نيكسون إلى الصين فى ١٩٧١ وهو ما أدى إلى غضب برزنيف وذلك بسبب إخفاء ماو بأمر الزيارة عن الاتحاد السوفيتى، مما دعا الأخير إلى طلب عقد اجتماع مع نيكسون للتأكيد على العلاقات الأمريكية ــ السوفيتية ومن ناحية ثانية قام الاتحاد السوفيتى بإعادة تسمية كل المدن الحدودية المتنازع عليها مع الصين بأسماء روسية وذلك لتأكيد أحقية الجانب السوفيتى فيها، وهكذا كانت الولايات المتحدة ودبلوماسيتها هى الرابح الأكبر من هذا الصدع فى الكتلة الشرقية!
ملحوظة: اعتمدت المقالة على مراجعة لكتاب بواسطة لورنز لوثى بعنوان «الحرب الباردة فى المعسكر السوفيتى» نشر عام ٢٠٠٨ بواسطة دار نشر جامعة برينستون. أما المراجعة التى تم الاطلاع عليها فقد نشرت بعنوان «ماو، خروتشوف، والنزاع الصينى ــ السوفيتى» فى دورية «دراسات الحرب الباردة» العدد ١٢ رقم ١ فى شتاء ٢٠١٠، الصفحات من ١٢٠ــ١٦٥.
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر