نشر موقع درج مقالا للكاتب حازم الأمين يرى فيه أن ما يحدث فى القدس من جرائم علنية فى حق الفلسطينيين والفلسطينيات هو نفسه الذى يحدث فى حق شعوب عربية فى العراق وسوريا ولبنان... نعرض منه ما يلى:
تحضر الجريمة فى كربلاء فى موازاة الجريمة فى القدس، تماما مثلما تحضر الأخيرة فى موازاة جريمة اتفاقات ابراهام بوصفها تفويضا للمستوطن بالسطو على حى الشيخ جراح.
نظريا قد لا يجمع رابط بين الوقائع الدموية التى يشهدها العراق، وتلك التى تجرى فى فلسطين، سوى دمويتهما ومشرقيتهما! لكن المرء إذا ما أعمل مزيدا من سوء النوايا بأنظمة هذا الإقليم البائس، وهو ما عليه أن يفعله، سيعثر على مزيد من العلاقات العنيفة التى تربط عواصم هلال البؤس والاستبداد، من القدس إلى بغداد، ومن طهران إلى دمشق، مرورا ببيروت النائمة بدورها على انهيار وانفجار واحتمالات مجاعة.
نيران إسرائيلية على المصلين فى المسجد الأقصى، وفرق موت عراقية مدعومة من طهران تقتل الناشط والصحافى إيهاب وزنى برصاصة فى رأسه فى مدينة كربلاء، ورصاصة أخرى تصيب الصحافى أحمد الحسن فى مدينة النجف! وبين النجف والقدس جرائم موازية فى محيط المسجد الأموى فى دمشق، هناك حيث يستعد رئيس النظام السورى بشار الأسد لإجراء انتخابات يجدد فيها العهد على مزيد من الجرائم، وليس بعيدا منه يقيم صديقه وحليفه فى بيروت ميشال عون المحمى بسلاح المقاومة، وهو السلاح الذى يمت بعلاقة قرابة مع سلاح فرق الموت العراقية.
قد يبدو مشهد العلاقات بين فوهات البنادق المشرقية معقدا، إلا أنه فى لحظة كهذه مكشوف إلى حدود مذهلة. فالموت الذى يخلفه متشابه إلى حدٍ كبير. فى الفيديو الذى ظهر فيه قتلة إيهاب وزنى فى كربلاء عناصر قد يخطؤها المرء فيعتقد أنها لمستوطن يغزو حى الشيخ جراح. الوجوه مكشوفة وهويات أصحابها معروفة لدى الناس فى كلا الموقعتين. فى بيروت الفساد الذى صار دمويا بعد انفجار المرفأ بدوره مكشوفة وجوه أصحابه. القتلة الذى تسببوا بكارثة تدمير المدينة معروفون، ولا يوارون وجوههم. أما المهزلة الدمشقية المتوجة بانتخابات التجديد لبشار الأسد، فهى بدورها قصة جريمة معلنة لا يشيح فيها القاتل وجهه عن الكاميرا.
لا يمكن مقاومة الشبه الذى تنطوى عليه الجريمة المعلنة فى العراق والسطو المعلن والمصور فى حى الشيخ جراح. قتلة الصحافى أحمد عبدالصمد فى البصرة (جنوب العراق) أُعلنت أسماؤهم وبدل أن يتواروا عن الأنظار لجأوا إلى بغداد حيث تحميهم فصائل من الحشد الشعبى، تماما مثلما فعل ذلك المستوطن الذى راح يقول للسيدة الفلسطينية أنه ما لم يحتل منزلها فسيأتى غيره ليحتله. ألا يردنا هذا الفعل إلى ذاك؟ انعدام الحاجة لتورية وجه القاتل فى كلا الحالين هو مرحلة جديدة من مراحل الجريمة.
بين «القتل المقدس» فى العراق، و«السلاح المقدس» فى بيروت، يترنح أهالى حى الشيخ جراح فى القدس بين عسف الجريمة الإسرائيلية وطموحات استثمار أنظمة الاستبداد، المستعينة بالظلامة الفلسطينية، لكى تقتل فى كربلاء وتعيث فسادا وموتا فى بيروت، وتهين أهل دمشق المنكوبة بانتخابات هزلية. إنه الجسر المشرقى عينه، ذاك الذى جرى بناؤه فى موازاة الحرب على «داعش». الجسر الذى تطلب بناؤه إزالة الموصل وحلب والرقة وعشرات المدن، والذى ادعى أصحابه أنهم بصدد فتح الحدود للوصول إلى خط المواجهة مع إسرائيل، فإذا بهم يقيمونه لنجدة بشار الأسد فى دمشق ولإيصال ميشال عون إلى بعبدا، أما القدس فليست جزءا من الهموم. وهم إذ يتلقون الضربة الإسرائيلية تلو الضربة، «يؤجلون» الرد إلى حين اكتمال الجريمة!
نعم تحضر الجريمة فى كربلاء فى موازاة الجريمة فى القدس، تماما مثلما تحضر الأخيرة فى موازاة جريمة اتفاقات ابراهام بوصفها تفويضا للمستوطن بالسطو على حى الشيخ جراح. وتحضر أكثر إذا ما أراد المرء رصد مستويات العنف كممارسة سياسية وحيدة فى هذا المشرق البائس. العنف كعلاقة «ضرورية» بين أنظمة صارت تدرك أن لا سبيل لبقائها سوى بالمزيد منه، وأن الحروب هى ضمانة استمرارها، وأن الجريمة هى الرسالة الوحيدة التى تخاطب عبرها مجتمعاتها. نعم من كربلاء إلى القدس هذا هو المشهد.
النص الأصلى
https://daraj.com/71776