هل تتمكن استراتيجية روما الجديدة من تعزيز الدور الإيطالى فى إفريقيا؟ - قضايا إفريقية - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 1:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تتمكن استراتيجية روما الجديدة من تعزيز الدور الإيطالى فى إفريقيا؟

نشر فى : الجمعة 12 يوليه 2024 - 8:20 م | آخر تحديث : الجمعة 12 يوليه 2024 - 8:20 م

استضافت إيطاليا، فى منتصف يونيو 2024، اجتماعات مجموعة السبع (G7)، وشكلت القارة الإفريقية الموضوع الرئيس لروما على جدول أعمال المجموعة خلال اجتماعات العام الجارى، وهو ما يتماشى مع توجهات إيطاليا الراهنة لتعزيز حضورها فى إفريقيا، وتطلعات رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلونى، إلى جعل بلادها مركزًا رئيسيًا للطاقة بين القارتين الأوروبية والإفريقية.

شهدت الأشهر الأخيرة تحركات إيطالية مكثفة فى القارة الإفريقية لتعزيز نفوذ روما فى إفريقيا. وفى هذا السياق، يمكن عرض أبعاد هذه التحركات على النحو التالى:

   • تقديم إيطاليا كوجهة أوروبية جديدة فى إفريقيا: تمسكت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلونى، بأن تكون القارة الإفريقية على أولوية جدول أعمال اجتماعات مجموعة السبع (G7) التى استضافتها روما فى يونيو الماضى؛ إذ تُعد إفريقيا أحد أبرز مُرتكزات السياسة الخارجية لميلونى، وهو ما يتجسد بشكل واضح فى «خطة ماتى» (Mate Plan)، والتى تستهدف بالأساس تعزيز دور روما كنقطة وصل بين إفريقيا وأوروبا وتوزيع الغاز الطبيعى من القارة الإفريقية ومنطقة البحر المتوسط إلى الداخل الأوروبى، فضلًا عن إحكام السيطرة على موجات الهجرة الجماعية غير الشرعية إلى أوروبا.

   • تنامى الحضور الإيطالى فى شمال وغرب إفريقيا: تبنت ميلونى، نهجا تدرجيا فى التقارب مع القارة الإفريقية، فقد ركّزت فى البداية على منطقة شمال إفريقيا. فأبرمت روما العديد من الاتفاقيات مع دول هذه المنطقة، سواء لضمان تلبية احتياجات إيطاليا من الطاقة ــ إذ باتت الجزائر وحدها مسئولة عن 40% من احتياجات روما من الغاز ــ أم لضبط مسارات الهجرة غير الشرعية.

   • تحركات إيطالية فى منطقة القرن الإفريقى: تشكل منطقة القرن الإفريقى أحد أبرز بؤر الاهتمام أمام الحكومة الإيطالية، وفى هذا الإطار أرسلت الحكومة الإيطالية وفدًا رفيع المستوى إلى إريتريا، برئاسة وزير الأعمال والصناعة الإيطالى، أدولفو أورسو، فى يونيو الماضى، فى إطار مساعى الحكومة الإيطالية لاكتشاف أهم الفرص للتوسع فى القارة وتنفيذ «خطة ماتى»، ولاسيما فى مجال الطاقة المُتجددة والبنية التحتية والتنمية الزراعية والمعادن وغيرها من المجالات.

• • •

ظلت القارة الإفريقية غائبة نسبيا عن السياسة الخارجية الإيطالية لسنوات عديدة؛ ومن ثم تعكس التوجهات الراهنة لروما إزاء إفريقيا جملة من الدلالات المهمة بشأن مستقبل النفوذ الإيطالى فى القارة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالى:

   • مساعى ميلونى لترسيخ سلطتها داخليًا وخارجيًا: ترتبط التحركات الإيطالية الراهنة فى القارة الإفريقية بمساعى رئيسة الوزراء، جورجيا ميلونى، بترسيخ نفوذها ومكانتها فى الداخل الإيطالى، من خلال تقديم استراتيجية أكثر جذبًا للشركات الإيطالية الخاصة وكذا بالنسبة للناخبين الإيطاليين، باعتبار أن القارة الإفريقية تشكل فرصة للنمو والتوسع الإيطالى، فى ظل الموارد الهائلة التى تمتلكها القارة الإفريقية، ولاسيما ما يتعلق بالطاقة؛ ومن ثم الاستفادة من احتياطات الطاقة الهائلة فى القارة. فضلاً عن تطلعات ميلونى لتعزيز الدور القيادى لبلادها فى القارة الأوروبية. وفى هذا الإطار، تمثل القارة الإفريقية أحد أبرز أولويات السياسة الخارجية لرئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلونى، منذ وصولها للسلطة فى أكتوبر 2022.

   • الاستفادة من التعثر الفرنسى فى إفريقيا: لا يمكن الفصل بين توقيت الحراك الإيطالى الراهن وتوجهات روما لتعزيز حضورها فى القارة الإفريقية من ناحية، والانتكاسات المتتالية التى تعرضت لها فرنسا فى إفريقيا من ناحية أخرى، فقد تراجع نفوذ باريس بشكل كبير فى القارة خلال السنوات الأخيرة، ويبدو أن روما تستهدف استغلال هذا التراجع والفراغ الذى تمخض عن الانسحاب التدريجى لفرنسا من أجل ملء هذا الفراغ وتعزيز الدور الإيطالى فى إفريقيا. وربما يدعم هذا الطرح لغة الخطاب التى تتبناها روما فى حديثها مع القادة الأفارقة وتجنب اللهجة الأبوية التى تنتهجها باريس، والتى كانت سببًا رئيسًا فى تنامى المشاعر المُناهضة لفرنسا فى إفريقيا؛ إذ تطرح روما نفسها باعتبارها فاعلًا أكثر حياديةً وأقل تدخلاً مُقارنةً بالقوى الأخرى.

3 ــ دعم أمريكى للخطة الإيطالية: كشفت بعض التقديرات الغربية عن وجود دعم أمريكى، وكذا من بعض القوى الأوروبية، للخطة الإيطالية فى إفريقيا، فى إطار قلق واشنطن من أن تستغل روسيا والصين تراجع النفوذ الغربى فى إفريقيا من أجل التوسع فى القارة لملء هذا الفراغ؛ ومن ثم تأتى «خطة ماتى» الإيطالية استجابة للتنافس الجيوسياسى الحاد فى القارة الإفريقية؛ إذ تستهدف روما من خلال هذه الخطة طرح نموذج بديل للنموذج الغربى التقليدى وما ينطوى عليه من قيود على الدول الإفريقية، وكذلك لتكون بديلاً للنهجين الروسى والصينى اللذين يبدوان أقل من النموذج الغربى من حيث القيود، لكنهما فى المقابل يشكلان تحديًا سياسيًا لدول القارة الإفريقية.

   • انتقادات لخطة روما الاقتصادية فى إفريقيا: رغم ما تتضمنه الخطة الإيطالية من أهداف خاصة بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين روما والدول الإفريقية، فإن هناك بعض التقارير التى شككت فى وجود رؤية واضحة وموارد اقتصادية كافية لتنفيذ الخطة والتطلعات الإيطالية فى إفريقيا، مُشيرةً إلى أن الخطة الإيطالية فى إفريقيا جاءت من قبل حكومة ميلونى دون مُساهمة حقيقية من القيادة الإفريقية.

كما أُثيرت إشكالية أخرى تتعلق بالأهداف الحقيقية لروما فى إفريقيا، فعلى الرغم من إشارة «خطة ماتى» إلى ضرورة تعزيز التنمية فى القارة الإفريقية من أجل وقف موجات الهجرة غير الشرعية، فإن هناك بعض التقارير التى اعتبرت أن هذه الخطة تركز بالأساس على الاستثمارات وليس التنمية، ولاسيما وأن روما تستند فى تنفيذ الخطة إلى البنوك والشركات الخاصة والمملوكة للدولة، واستبعاد المنظمات الإنسانية وغير الحكومية.

• • •

فى إطار التحركات الإيطالية الراهنة، يمكن الإشارة إلى عدد من الانعكاسات المرتبطة بمستقبل الحضور الإيطالى فى القارة الإفريقية، تتمثل أبرزها فيما يلى:

   • تحديات قائمة أمام الخطة الإيطالية: رغم أن الخطة الإيطالية فى إفريقيا تبدو طموحة، فإنه لا تزال هناك العديد من التحديات التى ربما تعوق تنفيذ هذه الخطة، يتمثل بعضها فى طبيعة المشروعات ذاتها التى تنطوى عليها الخطة؛ إذ يُعد بعضها مجرد إعادة صياغة لمشروعات قائمة. يُضاف إلى ذلك تحديات أخرى تتعلق بالموارد المطلوبة لتنفيذ الخطة، فحتى الآن لم تخصص روما سوى 5.5 مليار يورو خلال السنوات الخمس المقبلة، وهى غير كافية لتحقيق الأهداف الطموحة للحكومة الإيطالية فى إفريقيا. يضاف إلى ذلك إشكالية أخرى تتمثل فى الحضور المؤسسى المحدود للحكومة الإيطالية فى الداخل الإفريقى.

   • محاولة دمج «خطة ماتى» ضمن مُبادرة «البوابة العالمية» الأوروبية: فى إطار التحديات التى تواجه «خطة ماتى» الإيطالية فى إفريقيا، طرحت بعض التقارير الغربية مقترحًا يتعلق بدمج الخطة ضمن استراتيجية أوروبية شاملة، فى محاولة للاستفادة من الموارد الأوروبية فى تحقيق أهداف الخطة الإيطالية، واستعادة الدور الأوروبى فى القارة الإفريقية.

   • مزيد من الزخم الإيطالى فى إفريقيا: رجحت بعض التقديرات احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التحركات الإيطالية فى القارة الإفريقية، فى إطار مساعى روما لتعزيز دورها فى إفريقيا؛ ومن ثم يتوقع أن تعمد الحكومة الإيطالية خلال الأشهر المقبلة إلى تكثيف مشاوراتها مع الدول الإفريقية، وإطلاق العديد من مشروعات التعاون المشتركة مع هذه الدول.

وفى الختام، تشكل التحركات الإيطالية الراهنة فرصة بالنسبة لروما لاستعادة حضورها فى القارة الإفريقية، فى ظل السياقات الجيوسياسية فى المنطقة، بيد أن هذه المساعى لا تزال تواجه تحديات عديدة يمكن أن تؤثر فى فاعلية تحركات حكومة ميلونى؛ بل وتجعلها مجرد إعادة صياغة للمبادرات الأوروبية التقليدية. ورغم أن دمج الخطة الإيطالية ضمن استراتيجية الاتحاد الأوروبى الكبرى يمكن أن يعزز فرص نجاح مساعى إيطاليا، فإن الأخيرة ربما تخشى من هذا الاندماج باعتبار أن ذلك ربما يؤدى إلى اختفاء الصبغة الإيطالية ضمن نمط أوروبى شامل. غير أن تراجع جاذبية الدور الغربى فى القارة الإفريقية ربما يفضى إلى صيغة جديدة للتعاون بين روما وبقية دول الاتحاد الأوروبى، تتولى فيها إيطاليا قيادة الجهود الأوروبية فى إفريقيا.

 مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

 النص الأصلى

التعليقات