اقتصاد وتعليم جيد ينتج تفوقا رياضيا - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 1:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اقتصاد وتعليم جيد ينتج تفوقا رياضيا

نشر فى : الإثنين 12 أغسطس 2024 - 6:15 م | آخر تحديث : الإثنين 12 أغسطس 2024 - 6:15 م

هل هناك علاقة بين التقدم فى الاقتصاد والتعليم والصحة وسيادة القانون وبين التقدم والتفوق فى الرياضة؟
هذا السؤال كان مثار نقاش طويل بينى وبين المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة «الشروق» منذ فترات طويلة وتجدد مع انطلاق منافسات دورة الألعاب الأولمبية فى العاصمة الفرنسية باريس والتى انتهت مساء الأحد الماضى.
لا أقفز على نتائج السؤال ولا أزعم أننى أجريت بحثا علميا أو فحصت كل المقاييس والمعايير التى على أساسها فازت الدول أو خسرت. وهو ما سنفعله فى «الشروق» خلال أيام قليلة إن شاء الله.
لم تكن هناك إجابة قاطعة عن السؤال فى بدايات الدورة، بل مجرد فرضية ثبت فى نهايتها أنها صحيحة، حتى لو كانت هناك بعض الاستثناءات.
على سبيل المثال ومجرد إلقاء نظرة خاطفة ومقارنة بين الناتج المحلى الإجمالى للدول وبين ترتيبها فى جدول الميداليات النهائى لدورة باريس سوف نكتشف صحة الفرضية التى بدأنا بها السؤال. من يطالع الجدول سيكتشف أن الولايات المتحدة جاءت فى المركز الأول برصيد ١٢٦ ميدالية منها ٤٠ ذهبية و٤٤ فضية و٤٢ برونزية، ثم تلتها الصين بنفس الميداليات الذهبية و٢٧ فضية و٢٤ برونزية.
حتى قبل نهاية الدورة بساعات قليلة كانت الصين فى المركز الأول، لأنها كانت تسبق الولايات المتحدة بميدالية ذهبية واحدة وهو المعيار الرئيسى فى الترتيب، لكن فوزها بذهبية كرة السلة جعلها تتعادل مع الصين، وتتجاوزها لأن عدد ميدالياتها الفضية والبرونزية أكبر منها.
النقطة الجوهرية أن الترتيب فى الميداليات يتوافق إلى حد كبير مع الناتج المحلى الإجمالى للدول، هذا الناتج هو القيمة السوقية الإجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية التى تقوم دولة بإنتاجها فى فترة زمنية معينة، ولتكن سنة ميلادية، وكلما كان الناتج مرتفعا كان ذلك مؤشرا على التقدم الاقتصادى ليس فقط فى السلع والخدمات بل وهذا هو الأهم فى التعليم والصحة وسائر الخدمات وبالتالى فى الرياضة.
فالولايات المتحدة هى القوة الاقتصادية الأكبر عالميا بناتج محلى إجمالى حوالى ٢٤ تريليون دولار، فى حين تأتى الصين فى المركز الثانى بحوالى ١٧٫٧ تريليون دولار. والغريب أن أمريكا كانت تحتل المركز الأول فى الدورات الأولمبية بفارق كبير بالميداليات الذهب، لكن الصين ظلت متقدمة بالذهب طوال الدورة تقريبا إلى أن لحقتها أمريكا فى اللحظة الأخيرة وتفوقت عليها بالفضيات والبرونزيات.
وهذا المعنى فى الرياضة يكاد يتكرر فى الاقتصاد وربما قريبا فى مجالات أخرى، مع فارق بسيط، فمعظم الخبراء يقولون إن الصين فى سبيلها للتعادل مع أمريكا اقتصاديا قبل عام ٢٠٣٠، وربما التفوق عليها بعد ذلك، خصوصا أنها بدأت تنافس أمريكا فى التكنولوجيا، التى كانت احتكارا أمريكيا واضحا. والبلدان يسيطران على العالم فى هذا المجال ويأتى بعدهما بقية دول العالم.
فى المركز الثالث اقتصاديا يأتى الاتحاد الأوروبى كقوة مجمعة، لكن ألمانيا هى التى تحتل المركز الثالث أيضا بحوالى ٤٫٤ تريليون دولار، ثم اليابان والهند وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والبرازيل وكندا وروسيا.
ومن يتابع جدول الميداليات فى دورة باريس سوف يجد اليابان فى المركز الثالث وأستراليا رابعا وفرنسا خامسا وكوريا الجنوبية سادسا وبعدهما إيطاليا وألمانيا ونيوزيلندا وكندا.
والملاحظة أن جدول الترتيب فى الناتج المحلى الإجمالى ومجموعة السبع الكبرى أو مجموعة العشرين هو تقريبا جدول الميداليات مع استثناءات بسيطة فالهند مثلا متقدمة اقتصاديا لكن ليس أوليمبيا..
لو صدق هذا التصنيف فإن مواطنى عدد كبير من بلدان العالم سوف يتوقفون عن جلد الذات ولوم أنفسهم ورياضييهم لأنهم لم يحققوا نتائج طيبة. وسوف يتوصلون إلى قاعدة أساسية هى أن التقدم فى الرياضة لابد أن يصحبه تقدم فى مجالات كبيرة أهمها الاقتصاد والتعليم والصحة وسيادة القانون.
سيقول البعض مستنكرا: ولكن هناك بعض الدول حققت ميداليات ذهبية فى الدورات الأولمبية، وهى فى قاع سلم الاقتصاد والتعليم والصحة عالميا، وليس لديها أى مؤشرات وتصنيفات جيدة عالميا فى كل المجالات.
نعم ما سبق صحيح وتفسير ذلك أن هناك مواهب وفلتات فردية ناجحة جدا فى هذه البلدان، وليست ناتجة عن تقدم جماعى، مثل العدائين الأفارقة، أو بعض الذين يتدربون ويعيشون فى بلدان متقدمة لكنهم يخوضون المسابقات بعلم بلدانهم الأصلية.
معنى ذلك أنه من دون تعليم وصحة واقتصاد قوى، فلا أمل لأى دولة أن تتقدم رياضيا باستثناء الفلتات والمواهب النادرة.
مرة أخرى شكرا للجندى وسارة سمير ومحمد السيد الذين وضعونا فى جدول الميداليات الأولمبية.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي