دروس وعبر المشهد السورى - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس وعبر المشهد السورى

نشر فى : الخميس 12 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 12 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

هناك دروس وعبر فى المشهد السورى تميٍّزه عن كل مشاهد ثورات وحراكات الربيع العربى. إنه مشهد متكامل فى مآسيه وجنونه وبلاداته وحقارات بعض لاعبيه. وهو يصلح لأن يكون فى المستقبل مُقررا دراسيا فى علم السياسة لإبراز تعايش الحقّ مع الباطل، وتناغم المتناقضات فى رسم صورة سريالية عبثية أين منها تراجيديا الإغريق.

الملحمة فى الساحة السورية هى فى الواقع كارثة وطنية وقومية وإسلامية وإنسانية وأخلاقية بامتياز. أى تفاصيلها تحتاج إلى كتب، ولكن يهمنا أن نشير إلى بعض الظواهر كدروس وعبر.

●●●

أولا ـ هناك موضوع الأحزاب التى يمارس الحكم باسمها فى العديد من الأقطار العربية، ومن بينها سوريا لو أن هذه الأحزاب لها وجود فاعل مستقل لتدخلت فى المراحل الأولى من الحراك الشعبى ضد الحكم ولو قفت بحزم ضد ممارسة انتهازية الحلول الهامشية والاقتصادية على تقديم الفتات من التنازلات وممارسة أجهزة الحكم البطىء الشديد المتعمد فى اتخاذ القرارات التى تهدئ الأوضاع وتعطى الأمل فى الاستجابة.

إن مأساة، تلك الأحزاب هى فى وصولها إلى حالة موت الحس المتفهَم لمطالب الجماهير الغاضبة وتشوُه الضمير الأخلاقى عند قادتها، وبالتالى انقلابها إلى واجهات صورية.

 إن ما حدث فى سوريا وغيرها هو درس للأحزاب العربية فى ألا تسمح قط، نظاما وتنظيما وعلاقات مع قوى مجتمعاتها بأن يخطف الحزب جيش يريد الحكم أو قائد مدعى العبقرية أو طائفة تستدعى التاريخ والفقه المتخلف أو قبيلة تدعى التميز فى معرفة ماهو صالح للأوطان. الحزب الذى لا يمارس الديمقراطية فى حياته اليومية ولا الاستقلال عن بيروقراطية الحكم بصورة تامة والقدرة على قول لا للحكم الذى يتكلم باسمه، هذا الحزب يجب ألا يكون له قط محل فى الحياة السياسية العربية مستقبلا.

ثانيا: هناك قوى فى المجتمعات العربية التى إن سُمح لها بالانخراط فى الحراكات والثورات، حتى ولو على الهوامش، فانها ستسمَم الأجواء وتحرف العفوية الشعبية. من هذه القوى قوى الإسلام التكفيرى الطائفى الممارس للعنف والقتل العبثى للأبرياء.

الثورات والحراكات التى لا تعرف كيف تتجنَب وضع اليد فى يد المندسين لتحقيق أهداف تخصُّهم ولا دخل لها إطلاقا بالمطالب الشعبية العادلة، لا يحقُ لها أن تطالب أحد بإسنادها. فإذا أضيف إلى ذلك ارتباط تلك القوى الدَخيلة. بجهات غير ديمقراطية وغير معنية بشعارات الجماهير فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فإنُ الحراكات الجماهيرية ستسلم نفسها ليد القدر المظلم.

 ثالثا: لقد كان السماح للمشهد السورى أن يصل إلى ما وصل إليه من موت ودمار مدن وتهجير للملايين وطائفية سوداء بغيضة حقيرة وتدخلات خارجية منزلة سافرة ووصول سوريا إلى حافة الخروج من التاريخ.. كان السماح بذلك وصمة عار فى جبين العمل العربى المشترك. لا الجامعة العربية ولا المؤسسات القومية المدنية ولا المحسوبين كعقلاء هذه الأمة فعلوا شيئا أساسيا مفصليا يذكر لمنع هذه التراجيديا السورية البائسة.

إذا كان الإنتماء العروبى لا يساعد المنتمين فى أوقات الشدة والمحن، فما فائدة هذا الانتماء إذن؟ إذا لم يصلح النظام الإقليمى القومى العربى نفسه، وإذا لم يجر التفكير فى وجود كتلة مدنية سياسية عربية قادرة على الفعل خصوصا فى أوقات الأزمات والكوارث الكبرى، فإن المستقبل العربى هو فى خطر مظلم حامل للأهوال.

رابعا: لقد عانت الأمة العربية ما عانت، منذ منتصف القرن الماضى. بسبب الانقسام والتناحر بين الإسلام السياسى المعقول وبين القومى العروبى السياسى المعقول بأشكاله المختلفة. لقد بذلت جهود هائلة لحل هذا الإشكال. على الأقل أثناء المرحلة التاريخية الحالية الخطرة التى يعيشها الوطن العربى. لكن الربيع العربى، بما فيه سوريا، أظهر أن الطبع يغلب التطبُع.

ترى هل كان بامكان المشهد السورى أن يتجنب قضية الإسلاميين التكفيريين الشائكة لو أن أيادى الجهتين كانت ممدودة فى أول أيام الحراك الشعبي؟ ما عاد بالإمكان تأجيل هذا الموضوع الذى يستغله كل فاجر أثيم على مستوى الاجتهادات الفقهية الطائفية والإعلام المجنون والخارج المتربص المستفيد.

الآن وجريمة أمريكية صهيونية على الأبواب، هل يستطيع شباب ثورات وحراكات الربيع العربى أن يدركوا بأن أمتهم، وسوريا المثال الأسوأ، تعيش أحلك ايام تاريخها القديم والحديث، فيتمعنوا بعمق شديد وبضمير أخلاقى وبحسُ قومى عروبى ملتزم فى الذى يحدث أمامهم ويتصرفوا خارج تلك الأخطاء والخطايا، وهى كثيرة جدا ليرهبوا الربيع العربى الذى تكاثرت عليه الذئاب نهشا وتمزيقا؟ النظرات المحدودة والحلول الصغيرة لن تنفع.

 

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات