طبقا لمشروع القانون الخاص بتجريم مراكز الدروس الخصوصية الذى أعدته وزارة التربية والتعليم لتقديمه للبرلمان، فسوف يعاقب كل من شارك فى هذه الجريمة بغرامة تبدأ من 5 آلاف جنيه حتى 50 ألف جنيه، مع تشديد العقوبة إلى السجن من سنة إلى 3 سنوات إذا كرر المتهمون جريمتهم، وهى خطوة يراها الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، حتمية لتنفيذ سياساته بتطوير منظومة التعليم، بعد أن بلغت ميزانية هذه المراكز أكثر من 110 مليارات جنيه سنويا، فى حين أن ميزانية الوزراة نفسها لا تتعدى الـ 90 مليار جنيه!.
ومع ذلك فإن الوزراة ترتكب خطأ كبيرا إذا اعتقدت أن غلق هذه المراكز سوف يصلح من شأن التعليم، والوزير نفسه لم يتمكن على مدى عام كامل من التصدى لهذه المراكز، ففى أكتوبر 2017 أعلن الوزير تنفيذ حملة لغلق هذه المراكز أخذت صفة الضبطية القضائية، وتوعد خلالها المدرسين المشاركين فيها بالفصل من العمل وإحالة منظميها للقضاء، دون أن تسفر عن أى شىء، حيث استمرت هذه المراكز فى عملها بل وتوسعت فيه، خاصة وأن الوزير نفسه طالب قبل ذلك بضرورة فرض ضرائب على أرباح هذه المراكز على أن يتم تخصيصها لوزارته، حتى فاجأنا منذ شهرين بأنباء عن تقديمه مشروع قانون بتجريم هذه المراكز للبرلمان!!.
الوزير نفسه خرج علينا منذ عدة أيام بتصريحات فهم منها أنه يطالب بإلغاء مجانية التعليم على اعتبار أن هذه المجانية لا توجد فعلا على أرض الواقع بدليل الـ 110 مليارات جنيه التى يصرفها المصريون على الدروس الخصوصية، صحيح أنه عاد فى اليوم التالى لينفى نيته إلغاء المجانية باعتبارها استحقاقا دستوريا لا يملك أى وزير القفز عليه، لكنه فى قراره نفسه لا يؤمن بهذه المجانية ويرى أنها السبب فى فساد نظامنا التعليمى، وهو ما يظهر بوضوح بين سطور تصريحاته، وحيرته ما بين رغبته فى فرض ضرائب على هذه المراكز إلى مطالبته بإغلاقها وتغريم وسجن المشرفين عليها والمشاركين فيها!.
المشكلات المزمنة فى نظامنا التعليمى تتمثل فى التكدس فى الفصول، وسوء مستوى الأبنية التعليمية، وتدهور الكتاب المدرسى، وتخلف المناهج، والمرتبات المتدنية للغالبية العظمى من المدرسين، بالإضافة إلى الازدواجية فى نظامنا التعليمى ما بين المدارس الدولية والخاصة والحكومية.
هناك أسئلة مهمة منها لماذا يهرب الطلاب وأولياء أمورهم من المدارس الحكومية للدروس الخصوصية ويدفعوا لمراكزها مليارات الجنيهات سنويا، هل الوزير لا يدرك أن انهيار الخدمات التعليمية فى المدارس الحكومية هو السبب؟ وهل الحكومة تؤمن بحق ملايين الفقراء فى الحصول على التعليم المجانى؟ وهل التصريحات الوردية عن التابلت وعن تغيير فلسفة التعليم من الحفظ والتلقين إلى التفكير والإبداع سوف تجد طريقها للتطبيق؟ هل يدرك المسئولون أن إغلاق هذه المراكز وحده لا يضمن إصلاح أوضاعنا التعليمية المنهارة؟
أزمات التعليم فى مصر أكبر من قدرات أى شخص منفرد، وأكثر تعقيدا من تصورات أى مسئول لحلها، نحن نحتاج إلى مشروع قومى للنهوض بالتعليم يشرف عليه خبراؤنا من مختلف التخصصات، وتوفر له الدولة كل الإمكانيات المادية، فالتعليم الجيد هو خط الدفاع الأول عن الأمن القومى، وهو الطريق الوحيد لتحقيق التنمية والتقدم، وهو قبل ذلك بنص الدستور حق من حقوق الإنسان ينبغى على الدولة أن تقدمه للفقراء ومحدودى الدخل بنفس جودة ما تقدمه المدارس الدولية والخاصة لطلابها من الأغنياء.